ياسر عمر سندي

الوأد الفكري!

الأربعاء - 22 مايو 2019

Wed - 22 May 2019

في عصور الظلام والانعدام، وتاريخ ما قبل نور الإسلام كان التشاؤم أحد الأساليب الإسقاطية على الحال وعلى الآخرين لتبرير الفشل من سوء المنقلب وخيبة الفعل في أي أمر من أمور الدنيا آنذاك، ومن أحد هذه السلوكيات التشاؤمية سلوك التطير، وهو الظن السيئ الذي يخالج النفس، حيث كان الجاهليون في الغالب دائمي التشاؤم في تجارتهم وحروبهم وأنديتهم وحفلاتهم وأشعارهم وصنوف معايشهم، والطيرة هو الفعل المترتب على سوء الظن ونتيجة حتمية لسلبية الرجل في توقعه وسمة من السمات الفكرية الرجعية المصاحبة للشخصية الذكورية.

وكانوا أيضا يتشاءمون من بعض شهور السنة، ومن البعض وأسمائهم وأجسامهم، وبعض الأزهار والأشجار، ومختلف الحيوانات، وغيرها كثير من مسببات التشاؤم بحسب اختلاف المسميات وتعدد الثقافات.

ومن أحد مسببات التشاؤم العربية قديما هو انجاب الأنثى، لكونها مصدر الخزي ووصمة العار لأبيها وأسرتها بزعمهم، قال تعالى «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم 58 يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون 59) النحل. وإذا لاحظنا في سياق الآية الكريمة وأمعنا النظر بمقدمتها في هذا الجزء «وإذا بشر أحدهم بالأنثى» فالبشارة أصلا تحمل الخير وتعكس نضارة الوجه من المبشر والمستبشر أي المرسل والمتلقي للبشارة، ولكن أثناء البشارة يكفهر الوجه، ويزداد الحزن المختلط بالهم والغم واختيار البعد والتهرب من سخرية القوم وعما يراه من العيب الذي يطاله ويناله، يؤكد على أنها مشكلة فكرية متأصلة، وأيضا السلوك بعد التبشير الذي يصفه القرآن في آخر الآيات من خلال الحيرة التي تنتاب الأب، أيمسك مولودته ويبقيها وهي الفطرة الطبيعية والنزعة النفسية السوية التي تأمر الإنسان بالإحسان، خاصة للولد وفلذة الكبد، أم يستجيب لصوت الإنسان والشيطان من المحيطين، والذي يلح عليه بمعالجة الأمر والانفكاك بالدفن من هذا القدر.

ونجد أيضا في سياق الآية الكريمة التي تتساءل باستنكار عن سلوك الوأد المشين قال تعالى «وإذا الموؤودة سئلت 8 بأي ذنب قتلت 9» التكوير. فعلا ما ذنب هذا الكائن الرقيق الذي يحمل أجمل معاني الحياة ليحرمها والدها حقها في الحياة، فالأزمة في سلوك الوأد الجسدي في الأصل أزمة وأد فكري. جاءت من خلال التقليل من شأن الجنس الأنثوي، كونها لا تشارك في الحروب والغارات، وأيضا بالنظر إلى ضعف بنيتها الجسدية مقابل البنية الذكورية القوية، وأيضا رقة قلبها ودقة صوتها وحيائها وسرعة انكسار نفسيتها بالمقارنة مع الشخصية الذكورية في الخشونة والصلابة والصوت الجهوري الذي أعطاه حق الاستعلاء والاستمراء على هذا المخلوق اللطيف الذي كرمه المولى عز وجل وأعزه بالحنان وسعة القلب واحتواء الجنان.

نعم أجدها أزمة فكر ذكوري جاهلي استمر وتنامى واستفحل على مدى عصور وازداد بتشوه الفطرة وسوء الصحبة، واللتين تعززتا بتزيين الشياطين. فالوأد ما زال يلازم البعض، فإذا غاب لديه الوأد الترابي حل مكانه الوأد الفكري بالنظر للأنثى على أنها مصدر العيب والعار، ويجب ألا تتقدم ولا تشارك ولا تبدي الرأي.

ولا يزال منهج الوأد الفكري يراها بأنها أساس التحرش الذكوري والسبب الرئيس في الفساد المجتمعي، ولا يشير بأصابع الاتهام تجاه التشوه الفطري لنفسيات بعض الذكور البعيدين عن أدنى صفات الرجولة وخوارم المروءة، فهذه مريم ابنة عمران التي اختارها القدير لتكون أم نبي، وهذه آسيا بنت مزاحم التي آمنت وصبرت في بيت الكفر، وهذه خديجة بنت خويلد زوجة خير البشر، وهذه فاطمة بنت محمد، قد اكتملت عقولهن بما يحملنه من صفات أنثوية عظيمة من حنان أم وصبر امرأة ومودة زوجة ورحمة ابنة، وغيرهن كثيرات ممن امتلكن سداد الرأي وعظيم الصفات الخلقية والأخلاقية، ولكن وعد الله حق أثبت لنا في آياته وعلى لسانه نبيه بأنها المكمل لحياة زوجها والعون لابنها والعز لأبيها وأهلها.

Yos123Omar@