عبدالله المزهر

«وين الدوريات» ليست أسلوبا مناسبا للحياة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 19 مايو 2019

Sun - 19 May 2019

تذكرون ـ ربما بعضكم ـ مقطعا مصورا لطفل يظن أنه اكتشف كتابة لفظ الجلالة على كيس لأحد منتجات شرائح البطاطس. كان يتساءل في غضب «أين الدوريات؟»، شاهدنا المقطع حينها وضحك بعضنا، وآخرون اكتفوا بالابتسامة، وآخرون لم يعيروا الأمر أي اهتمام.

لم يكن أحد حينها يتخيل أنه وبعد مرور بضع سنوات على هذا المقطع ستصبح «أين الدوريات» أسلوب حياة، فالكل يريد أن يسجن الكل، ومجرد الاختلاف في الذوق يجعل فكرة التحريض مبررة ومنطقية ومقبولة وتعطي دلالة لا لبس فيها على حس وطني عال. أنت تحرض إذن أنت موجود، وأنت غير مرئي إن لم تكن تعتبر الأشياء التي تكرهها جرائم تستحق العقاب الرادع.

والحقيقة أني أفكر في مراجعة أنواع الأكل التي دخلت علينا في السنوات الأخيرة، فربما تناولنا بشكل جماعي طعاما جعلنا عصبيين نزقين نتلذذ في قمع الآخرين والتنكيل بهم حتى ولو لمجرد أنهم يسمعون أغنيات لا تعجبنا أو لأنهم يكرهون أغنياتنا المفضلة.

الجميل أننا لا زلنا نجد الأمر محرجا قليلا وغير منطقي، ولذلك لا نقول الأسباب الحقيقية لرغباتنا في قمع غيرنا لمجرد أننا لا نحبه ولا نحب ذوقه الخاص، ونخترع لرغباتنا الغريبة أسبابا تبدو مقبولة كالدين والوطنية.

من حقك كإنسان أن تكره وتحب وتشتم وتمدح، هذه أشياء تساعد على تنقية الهواء ـ لكن ذوقك ليس معيارا للأشياء، وأنت لست القالب الذي يجب أن يتشكل الناس فيه، وأن يصبح الثقلان نسخا مكررة منك وكل من اختلف عنك صرخت في وجهه «أين الدوريات».

حاول أن توطن نفسك على أنه يوجد في الحياة أشياء كثيرة مستفزة وكريهة وبغيضة لكن شعورك تجاه هذه الأشياء ليس مبررا لاستخدام تطبيق «كلنا أمن». من حقك أن تعبر عن كراهيتك ومحبتك واستفزازك، وأن تخبر السخيف بأنه سخيف والتافه بأنه تافه. وأستثني الغبي بالطبع، فالأغبياء يستحسن ألا يخبرهم أحد أنهم كذلك.

حاول أن تقنع نفسك بحقيقة أن الدولة ومؤسساتها ليست حارس ذوقك الشخصي، وأن استعداءها على كل من لا يعجبك ليس دليلا على أنك تحبها أكثر من غيرك.

وعلى أي حال..

من الجميل أيضا أن تكون بعض الجهات الحكومية مقتنعة أنها ليست مسؤولة بشكل مباشر عن ذوق الناس، وأنها ليست في سباق لإثبات أي شيء ليست ملزمة به، لأنه بدا لي في الآونة الأخيرة أنه لو نشر مقطع مصور لعنترة العبسي أو أمرئ القيس يقولان شعرا لا يعجبنا، وأضيفت إليه بعض التأثيرات التحريضية من «قادة» وسائل التواصل لسمعنا بإحالتهما للتحقيق لمخالفتهما قانون النشر الذي أقر بعد وفاتهما بألفي سنة إلا قليلا.

agrni@