طلال الحربي

الطيران الوطني وفقدان البوصلة

الاحد - 19 مايو 2019

Sun - 19 May 2019

لطالما كان لنا وقفة مع مؤسساتنا الوطنية التي تعمل ضمن نطاق القطاع الخاص. والوطنية عندنا تعني أنها مملوكة لأبناء الوطن وتعمل لأجله ولخدمته، وخطوط الطيران السعودية هي شركة وطنية بحتة، ورغم كل مميزاتها وأنها الناقل الوطني المعتمد داخل المملكة، بمعنى المتمتع بالمميزات والتسهيلات الوطنية، هذه الانفرادية، بل ولنقلها صراحة الاحتكارية، أضرت وأثرت ليس فقط على الركاب المستهدفين من تأخير في مواعيد رحلاتهم أو تغيرها أو إلغائها أو ضعف الخدمات في كثير من الأحيان، بل أضرت أيضا بالخطوط السعودية نفسها، لأنها لا تجد منافسا لها يجعلها مرغمة على التطوير والتحديث والتحسين.

في سماء رؤية المملكة 2030 لا بد من الانتهاء من هذه النقاط والملفات، حين انطلقت «ناس» كان من المنطقي أن تعطى ميزات تنافسية مع «السعودية»، ليس فقط لضمان نجاح الفكرة، بل لوضع الخطوط السعودية على محك التنافسية والمقارنة، لأنه من غير المعقول في عام 2019 ورؤية 2030 التي تستهدف 30 مليون حاج ومعتمر وسائح ومستثمر، ما زلنا نتحدث عن ناقل وطني واحد! لا بد من توسيع الدائرة وإعطاء فرص أكثر جدية بروح استثمارية لكل من لديه الإمكانات والقدرات على خوض غمار هذه التجربة، خاصة أن طيران ناس أثبت نجاح الفكرة وجدواها.

فقط لنخبركم عن شدة المنافسة بين الطيران السعودي وبين طيران ناس، هل تعلمون أن الوقود في عرعر على سبيل المثال يباع للسعودية لأنه ناقل وطني بـ 30 سنت، بينما لطيران ناس وهو أيا ناقل وطني بـ 12 دولارا؟ ورغم هذا الدعم الكبير المهول للخطوط السعودية إلا أنها تسجل خسائر عاما وراء آخر، ناهيكم عن سوء الخدمات من تأخر وغيره، والتي لو حدثت مع شركة خاصة في دول أخرى لأقفلت الشركة كلها، ومن الطبيعي هذه المشاكل وهذه الخسائر لأن إصرار الخطوط السعودية على بيع تذاكرها بأسعار أرخص من أسعار تذاكر القطارات وسابتكو اعتقادا منها بأنها تخدم المواطن، بينما هي فعليا تضر المواطن، لأن المواطن السعودي ذكي وصاحب ثقافة عالية جدا، ويعلم أن الأسعار الرخيصة تعني خدمات ضعيفة ومشاكل كثيرة.

ولو غيرت «السعودية» من نهجها وحققت أرباحا بأسعار منطقية معقولة مقبولة لا تسبب خسائر لها ولا لوسائل النقل الوطنية الأخرى، لاستطاعت أن تطور من أدائها وتحسن من خدماتها، مما يزيد حتما جمهورها، حتى أصبحنا نعتقد أن هذا الانخفاض غير المعقول في الأسعار إنما الهدف منه إخراج أي ناقل وطني آخر بنية الاستثمار كقطاع خاص.

وهناك تحد آخر، مطاراتنا هي الأعلى من حيث الضرائب المدفوعة إقليميا، بل وعالميا أحيانا، فهي أعلى من هيثرو بلندن وكنيدي في نيويورك، وهنا نتساءل حقيقة كيف لنا أن نسير بتطور لنواكب النقلات النوعية لرؤية المملكة 2030 ونحن ما زلنا نعيش ملفا وقرارا اتخذ قبل أكثر من 30 عاما؟

والأمل في وزير النقل وهيئة الطيران المدني ورئيسها عبدالهادي المنصوري أن يتدخلوا فورا لتخفيض الضرائب في المطارات، ومنح فرص استثمارية منافسة وذات جدوى لمزيد من شركات النقل الوطني الجوي في المملكة، فاستمرار هذا الاحتكار غير مجد ولا يحقق أي غاية وطنية، ولا ينسجم مع رؤية 2030، وسيؤدي إلى خروج شركات الطيران، ويؤدي بـ 3000 بيت سعودي إلى فقدان مصادر الرزق والبطالة، والحديث عن شركة ناس لأنها الوحيدة التي تنافس الآن ولها ركابها وجمهورها، رغم عدم عدالة المنافسة في النقل الوطني مع الطيران السعودي، ورغم الفارق الكبير في نوعية الخدمات لمصلحة ناس طبعا، وهي أيضا ناقل وطني وليس السعودية فقط، وكل من يخدم رؤية المملكة ويساهم في الدخل لخزينة الدولة يستحق الدعم.

وإن كان الهدف بقاء «السعودية» فقط وليس خدمة الركاب وتقديم الخدمات النوعية المتطورة، فالأمر لا يضر إذن! ويمكن أن نسير الرحلات يوميا دون ركاب، لكن إن كان الهدف خدمة المواطنين والركاب وفي الوقت نفسه المساهمة في خدمة الوطن وتحقيق رؤيته 2030، فإن إنهاء الاحتكار للسعودية قد آن أوانه، كما آن أوان الانتقال لصناعة الطيران كمهنة حقيقية تنافسية تدار بروح تجارية، وهذا سيعطي ويوفر مزيدا من الوظائف أيضا لأبناء وبنات الوطن.

alharbit1@