ياسر عمر سندي

الحياء.. في حالة احتضار

الأربعاء - 08 مايو 2019

Wed - 08 May 2019

كثيرة هي المواقف التي نعيشها وكثيرون هم من نتعايش معهم، والله سبحانه وتعالى أوجد اللجوء إلى بعضنا لنتواصل فيما بيننا لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، وهي التعاون المتبادل، لأن البشر من خصائصهم الاحتياج وأيضا من صفاتهم التكامل البيني، فما نقص من شخص يكمله الآخر، وما زاد لدى آخر يفرغه على أخيه المحتاج، وهكذا تمضي الحياة. قال عز من قائل في محكم تنزيله (وتعاونوا على البر والتقوى) المائدة الآية 2. وإعمار الأرض يتطلب ذلك التبادل الإنساني على كل الجوانب الثقافية والعلمية والعملية والتجارية والاقتصادية، وهذا البناء الدنيوي يتطلب التفاعل الإنساني في الارتقاء بالأخلاق والآداب الظاهرة والباطنة بكل أشكالها ومعاييرها وتقديراتها لدى مختلف الشعوب، وبالذات التي تدين بدين التوحيد وتعلم أنه دين تمام الأخلاق، قال عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

ومن أهم وأولى علامات الرقي السلوكي بالقول والفعل والإيماء بين البشر هو «الحياء» الذي أسميه دائما وأبدا تاج الأدب ورأس هرم الأخلاق، وأيضا أصفه من وجهة نظري بأنه حالة راقية وأصيلة من احترام الذات والآخرين تستقر بالتربية وتجعل الشخص في حالة مراجعة دائمة لتصرفاته وسلوكياته، لينتقي أفضلها ويعمل بأجملها تقديرا لنفسه ولغيره، ليبتغي الأجر من الله ويحافظ على روابط الود بين خلق الله. وقد قيل في سيد الحياء والخلق فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها».

وأرى في الحياء كل الحياة، وهو مطلب أساسي له ثلاثة أوجه، أولا الحياء الإحساني مع الله، بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ثانيا الحياء الذاتي مع النفس في استدراك عيوبها وحفظ أخطائها وإظهار محاسنها، قال السلف «من عمل في السر عملا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر»، ثالثا الحياء التعاملي مع الناس، ويكون في التعاطي المجتمعي بين البشر، وأعظمه قدرا حياء المرأة الأنثوي (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) القصص الآية 25. والتعاملات باختلاف طبيعتها إذا لم يتخللها التأدب الخلقي فإنها تعاملات منقوصة وغير سوية، فالحياء شعبة من الإيمان وأعتبره كمال الإحسان.

ومع الأسف نرى كثيرا من أفراد المجتمع يقل لديهم الحياء، بل يكاد ينعدم في بعض المواقف، فتقف متجمدا لما يفعله الأب وهو عميد وعماد الأسرة والقدوة بتجرده عن احترام الغير في حال تلفظه بالشتم أو بالأقوال النابية أو بسلوكه مسلكا ليس بالسوي في قوله وعمله وحتى بلغة جسده. أو أن يتجاوز الصغير على الكبير بلا استحياء في حديثه وفعله ونجد الدعم والتعزيز أحيانا من مجتمعه وقرابته بالضحك والتندر على ذلك، وأيضا ما تجده من بعض النساء اللائي لا يحكمهن الحياء ببث مقاطع غير لائقة أو تعليقات خارجة عن العادات والتقاليد، أو أن تجد أخرى في حديثها ما تخجل منه الأذن أن تسمعه وتستحي العين لما تفعله وهي في منصب الأم القدوة لبناتها، وكما قيل «إن لم تستح فاصنع ما شئت».

وأرى أن الحياء عدوى تربوية تصاب بها الأسرة في بادئ الأمر، والمتمثلة في الأب والأم، لينقلاها تربويا إلى الأبناء لتنعكس على جميع سلوكياتهم، وبالتالي يتكون جيل مليء بسلوكيات أساسها الحياء، فإذا رأيت تصرف الابن أو البنت فسترى الأبوين في تربيته، وإن رأيت من لم يستح من الأبناء فتأكد أن نموذج التربية والمربي لا يتخير عنه في ذلك الانعدام، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح الحاصل على العالم وما يقابله من انزواء وتوحد للأبناء يتقلص بالتالي دور التنشئة الوالدية الحقيقي ويبرز معه دور التربية التقني. فالحياء حاليا في مرحلة التحضير لنقله إلى مثواه الأخير.

Yos123Omar@