مرزوق تنباك

اللحظة التي أنت فيها

الثلاثاء - 07 مايو 2019

Tue - 07 May 2019

ما فات مات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها، لو وضعنا استفتاء على هذا القول الذي قسم الزمن إلى ثلاثة أقسام، وجعل لكل قسم حيزا يقف عنده ولا يتجاوزه إلى الحيز الآخر لربما أعجبتنا بلاغته وتقسيمه للزمن إلى مراحل تبدو في النظرة العجلى أنها تقسيمات عادلة صائبة موفقة فيما تشير إليه، فالإنسان في أي حال وفي أي موقع يعيش المراحل الثلاث بغض النظر عن دوره في أي مرحلة كان، لكن لو فكرنا قليلا هل المراحل الثلاث متساوية القيمة والتأثير ومتكافئة في نظر الناس وفي الاعتماد عليها؟ لا شك أن بين كل قسم من هذه الأقسام اختلافا وبونا شاسعا عند الناس، وفي الأثر الذي يتركه كل قسم في نجاح الحياة وما فيها من الأعمال، وحتى لو كان هذا التعبير منتهى الواقعية حين لا تكلف نفسك أكثر مما أنت فيه، وما تحقق في اللحظة التي تمر فيها حصيلة الحياة، فلا يشغلك المستقبل والنظر فيه ولا تسترجع الماضي الذي لا تملكه وتعفي فكرك وعقلك من الانشغال بما فات وما لا يمكن أن يعود، ولا تستطيع أن تصنع فيه ما لم تستطع حين كان حاضرا.

هذه الجملة القصيرة يرددها الكسالى والمثبطون الذين لا يريدون من الحياة غير ما تجود به اللحظات الحاضرة والفرص المواتية، فتنقطع في نفوسهم الآمال في المستقبل، حيث لا يقرؤون ما هو أبعد من الحاضر، ولا يستطيعون النظر للمستقبل، وما أكثر من هذه حاله في القديم والحديث، إلا أن اللحظة التي يكون فيها الإنسان هي ما يصح حكمه عليها ويصدق رأيه فيها كما هي إن كانت حسنة أو غير حسنة، وهي المحصلة واليقين أو كما يقولون هي الواقع الذي تحقق حدوثه فلا أمل في تغييره ولا تبديله.

أما الماضي فلا شك أنه ليس موضع نظر وإن كان له من يعيشه أو يتذكره فإنما يكون ذلك للعبرة أو يكون للتسلية واستخلاص الدروس المفيدة مما مضى وانتهى العمل به، ولا شك أيضا أن لأحداث التاريخ عشاقه والمحبين له والمولعين به، وهذا من حق عشاق التاريخ أن يعيشوه

كما يشاؤون ويستمدون منه ما يريدون من التجارب.

أما ما ليس كذلك فهو المستقبل واستشرافه وما يمكن أن يحدث فيه من أشياء تخفيها الأيام ويضمرها الزمن، وذلك هو السر الغامض الجميل، لا أحد يعرف ما فيه ولا ما يأتي به، فكان التدبير والأمل والرجاء وكل الأماني والرغبات منوط تحقيقها في الآتي ومتعلق بالغيب، ولذا يخطط له الإنسان بصفته فردا والدولة وكل من يعقل الأمر ويحسنه، ولهذا قالوا المستقبل بيد الله، وسر استمرار الحياة وجمالها يكمن في هذا المخبوء في النفوس الذي لا يعلمه إلا الله، فيكدح الكادحون ويجتهد المجتهدون ويعمل العاملون في كل المواضيع التي ترجى للدنيا والآخرة.

وعمارة الأرض تكمن في هذا الغيب الجميل الذي لا يراه أحد ولا يعرف ما فيه، ولكنه العامل الذي يدفع الناس إلى الأمل في النجاح وتحقيق المطالب، الجميل في المستقبل أنه يضمر ليغري الجادين في العمل ويعد بالمفاجآت الكبيرة التي قد تغير حال الناس والمستقبل، وهو موضع رهان على النجاح أو الفشل وتحقيق الرغبات، وإذا كان المستقبل بيد الله وهو كذلك، فإن بيد الإنسان المحاولة والتخطيط والاجتهاد لهذا السر القادم حتى يكون مستقبله خيرا له، وخيرا للبشر الذين يشاركونه آمالا بمستقبل أفضل وأرغد.

Mtenback@