أحمد الهلالي

بوابة الصينية ضرورة يا وزارة التعليم!

الثلاثاء - 07 مايو 2019

Tue - 07 May 2019

أعلن ولي العهد اعتماد اللغة الصينية وإدراجها في مدارسنا، وكان الإعلان مفاجئا للجميع، وتحركت جميع أطياف المجتمع، وانتشرت المقاطع المتفاعلة مع الإعلان بمختلف أنواعها، وغردت بعض الجامعات والمسؤولين والمثقفين باللغة الصينية، وتحدث مسؤولون وإعلاميون عن أهمية القرار، والأبعاد المستقبلية له، وأهمية الفهم المباشر للحضارة الصينية بتاريخها العميق، وحضورها العالمي القوي، والمستقبل الذي يتنبأ به الخبراء لهذه الحضارة.

كل تلك التفاعلات طبيعية ومبررة، أما غير المبرر فهو خفوت الموضوع وبروده، فلم يعد يظهر إلا على شكل أخبار متفرقة عن عقد دورة أو ورشة عمل لقيادات التعليم، ومقاطع عن معلمين ومشرفين يرددون أصوات اللغة الصينية في ورش عمل، وربما جامعة أو اثنتان أعلنتا عن دورات تعليم الصينية، وهذا الأمر حقيقة مقلق، فكل هذه التفاعلات محدودة، وتقليدية لا تمثل قيمة حقيقية أمام حجم القرار، فاللغة الصينية ليست لغة سهلة، لا نطقا ولا كتابة، فكتابتها تعتمد على الرمز الشبيه بالطلاسم، ولا تعتمد على أبجدية كاللغات الأخرى، بل لكل كلمة رسمة خاصة.

في خبر نشرته صحيفة الاقتصادية في 6 أبريل 2019م بعنوان (12 خطوة لإدراج اللغة الصينية في التعليم) لم أجد إشارة إلى استثمار التقنية الرقمية في الخطوات، وكان يجدر بوزارة التعليم، بما لديها من إمكانات، وما لدى الجامعات من خبرات في كلياتها التقنية، وشراكات الوزارة مع مدينة الملك عبدالعزيز للتقنية وغيرها من القطاعات أن تستثمر كل هذا أو بعضه وتقدم مبادرة نوعية لقرار تعليم الصينية. وأول ما كنت أنتظره أن تدشن الوزارة (بوابة الكترونية لتعليم اللغة الصينية) في أبسط مراحلها، فالبنية التحتية جاهزة لمثل هذا المشروع، بالإمكانات المذكورة أعلاه، أضف إليها أن لدى كل معلم وطالب وولي أمر حسابا خاصا على نظام (نور)، يمكن استثماره للدخول إلى البوابة وتلقي الدروس المناسبة.

كل ما تحتاجه البوابة محتوى تعليم اللغة الصينية يعتمد الكتابة والصوت والصورة، بتطبيقات وطرائق حديثة متنوعة، يصمم بما ييسر الاطلاع وتعلم هذه اللغة على الراغبين، ليكسر حاجز الرهبة والقلق من تطبيقه في العام الدراسي القادم، ويمكن أن تضيف إليها الدورات المباشرة في مستويات مختلفة يحصل المتدربون فيها على شهادات، أو أن تحوي فصولا دراسية للمبتدئين (مباشرة/ أو مسجلة)، ولا تحتاج البوابة إلا إلى عدد قليل من المعلمين المتمكنين، ويمكن أن يحصل المتدربون من خلال البوابة على شهادات رقمية حين يتمون المراحل المقررة ويجتازون الاختبارات الرقمية.

تستطيع البوابة أيضا أن تضخ محتوى مثريا عن اللغة الصينية للمجتمع السعودي والعربي، عبر استثمار مواقع التواصل الاجتماعي، بتقنيات الصورة والفيديو والموشن والتصاميم، فاستثمار تفاعل المجتمع مع الوافد الجديد، يجب أن يكون على أشده حتى تتحقق الأهداف المرجوة، ويمكن أن تستغل البوابة أيضا قدراتها فتبث محتوى عربيا إلى المجتمع الصيني.

في رأيي أن الاستمرار على التقليدية في التعاطي مع المستجدات العالمية لا يجدي، فاللغة الإنجليزية في مدارسنا من العُقد التي لم تحل منذ عقود، وستظل كذلك ما لم تبتكر الوزارة حلولا تقنية وعملية تتجاوز الطرائق التقليدية، ولا أظن أننا بحاجة إلى تكرار التجربة مع الصينية، ومهما ابتعثت الوزارة من معلمين، وعادوا لتعليم الصينية في مدارسنا، فلن يتغير الأمر كثيرا، ذلك أن المبتعث لتعلم اللغة سيحتاج إلى سنوات حتى يتقنها، وحين يعود سيعلم طلابه بالطريقة التقليدية، وهذه الطريقة لن تنهض بذاتها دون وجود طرائق حديثة تسهل على الدارسين التلقي، وتحفزهم إلى التعلم الذاتي بنسبة أكبر من التلقين، ومخرجات ذلك تخضع لإمكانات المدرسة، وكفاءة المعلم وتمكنه وإخلاصه، خاصة حين نعلم أن المعلم سيضطر للتنقل بين المدارس، لقلة الكوادر.

بدأت الإجازة الصيفية، واستلم أبناؤنا أجهزة ألعابهم المخبأة، وسينهمكون في اللعب صغارا وشبابا، ولو كانت بوابة تعلم الصينية جاهزة، لكانت استثمارا حقيقيا للوقت، ولشعرت الأسر باهتمام الوزارة وأهمية الأمر، وحثت أبناءها على تعلم مبادئ الصينية، ولكوّن الوالدان ثقافة جيدة عن هذه اللغة وعن ثقافة أهلها على أقل تقدير، وما يزال الوقت متاحا أمام الوزارة وقطاعاتها وشركائها، وستظل البوابة مرجعا مهما للمعلم والطالب وولي الأمر لسنوات طويلة، إن صممت بكفاءة ومرونة ووجد الناس فيها تيسيرا وفوائد حقيقية لأبنائهم.

ahmad_helali@