محمد حطحوط

رمضان.. والتسويق الاستهلاكي!

السبت - 04 مايو 2019

Sat - 04 May 2019

قبل سنوات، وحين أقبل رمضان، أخذت أتأمل الصورة المزعجة التي وصلنا إليها في رمضان. التأمل من زاويتين: دينية وتسويقية. تسويقيا من هذا السيل المذهل من الإعلانات التي تلاحقنا في رمضان، ودينيا، الله يخبرنا بشكل واضح الغاية الكبرى من الصيام، والهدف الأسمى من هذا الحرمان الظاهري من حاجات بشرية كالأكل والشرب، حيث يقول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، وهذه الآية تعني بلغتنا الدارجة: الهدف الأسمى أن تكون أقرب لله بعد 30 يوما من التدريب اليومي. والتقوى بتعريف العلماء لها أن تجعل بينك وبين عذاب الله (وقاية) من خلال الأعمال الصالحة وترك الأعمال السيئة. مفهوم كلمة (صالح) من الخطأ قصره على الطاعات فقط، وإنما المعنى الأشمل أن تسمو وتكون صالحا في دينك ودنياك. هذا يتطلب وعيا ذاتيا، وإدراكا للدوائر التي تنتمي لها. بعبارة أخرى إن لم تكن بعد رمضان أفضل روحيا وجسديا فلديك خلل واضح في فهم الدرس الأساسي لفكرة الصيام!

هذا التأمل، قادني لسؤالين مهمين: ما هي العادة الدينية التي سأكتسبها بعد رمضان هذا العام؟ قبل بداية كل رمضان لا بد أن تفكر بشكل واع ما هو الـ 1 % الذي سوف يتحسن في ذاتك دينيا بعد هذا الشهر. ليس بالضرورة أن تتحول لمتصوف لا تفارق المسجد، القصد أن يكون هناك تحسن جزئي في ذاتك كل رمضان.

السؤال الثاني المهم: كيف أكون جسديا أفضل بعد رمضان؟ وهذا أعاد التفكير في أن السفر الطويلة لرمضان تدل على فهم ناقص للهدف الصحي لرمضان وهو أن يكون جسدك أفضل صحيا بعد نهايته! ولأن التغيير يبدأ من الداخل، قررت على الأقل في دائرتي الصغيرة إلغاء 90% من هذه الموائد، والاقتصار على شيء بسيط. والنتيجة أنني أتحسر على رمضانات فاتت لا يتم استهلاك سوى نصف تلك الموائد!

الشركات مع كل أسف تنفق مئات الملايين سنويا في بند التسويق لتصنع عادات استهلاكية، نرى آثارها بشكل واضح وجلي في المجتمع. الاستهلاك المبالغ فيه، والازدحام غير المبرر في الأسواق للتبضع للشهر الكريم، لا يعكسان الفكرة السامية لشهر رمضان، حيث إنه فرصة لتذكر الفقراء، والاقتراب من الله، والسمو الروحي والجسدي. رمضان فرصة مذهلة للتغيير، مؤلم أن تتحول لمصنع للعادات السيئة!

التغيير يبدأ من إحياء الوعي، وأولى خطواته أن تبدأ بذاتك.

mhathut@