محمد أحمد بابا

رصيف الوطن وعتبات الوطنية

السبت - 04 مايو 2019

Sat - 04 May 2019

لا يغيب رصيف الوطن عن سالك أية طريق مهما يكن، فهو حاضر كلما اتسعت رقعة الكتابة والموضوعات ولو تكرر الحديث، لكن الوطن متعدد الأبعاد أنى رمت عنه حديثا وجدتَ ما تقول.

وحين قرأت لأحدهم «تمسك بوطنك وكن معه وله فداء ولو عشت على رصيف فيه، فرصيف وطن أرجى وأحلى من خيمة لجوء أو غنى هجرات أو حماية مرتزقة»، قلت: الوطن أرصفة في رصيف، ولولا نصر الله تعالى صاحب المن والعطاء لرسوله صلى الله عليه وسلم ما تمت رسالته (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن)، وحزن من أجل وطن جزء ولو كان يسيرا من كوكبة حزن على سيد الخلق أجمعين، ورصيف الوطن فيه الناس جميعا أصحاب حق لا يعاب على أحدهم حب وطنه ولا غزله فيه ولا تفضيله ولا الدفاع عنه مهما يكن، إلا من صاحب جهل وإقصاء.

فالوطن رصيف الذائقين طعم السكنى والنشأة وتأثير الأرض التي منها وإليها نعود، والوطن رصيف المتعبين ينعمون، إذ اشتموا ولو من بعيد ريح أوطانهم، ورصيف الوطن مراتب الفاعلين ودرجات المهتمين اجتماعا بأهل وطنهم ومن فيه، ولا مفارق لوطنه إلا وتبقى في قلبه جذوة نار تخبو وتتقد كلما ذكر وطنه.

وخراب الأوطان دمار النفوس وعوق الفكر وهدم الثقافات وتغيير التأصيل وقيامة الآمنين.

ومن رصيف الوطن تبدأ اللحمة والاتحاد والاجتماع والتعاون على البر والتقوى، ومن الأوطان ما صار وطنا بطول المُكث وتعاقب الأجيال، فلا نكران من فروع على أصول ولا من أبناء أصول على غيرهم وقد هاجر أجدادهم، لتبقى خضرمة التذكر ميزة في رصيف الوطن لا يعرفها إلا المهجنون.

واتساع رقعة بعض الأوطان تتسع معه القلوب والتمازجات، وضيق مساحة بعض الأوطان تزيد معه الألفة والمحبة، وفقر الوطن غنى الأصيلين، وغنى الوطن حمد الوطنيين، واحتواء المهاجرين وإكرام القادمين. والترحيب بالضيوف شهامة وطنية عند شعوب خلقها الله في الأرض، لكن ميزة ميز الله بها مهجر نبيه صلى الله عليه وسلم فاقت الهدايا (يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم)، ولا عجب فالمدينة اختيار إلهي بقرار من ذي الجلال والإكرام.

وعتبة رصيف الوطنية العالية وطنيون يدافعون عن تراب وطنهم ويحملون الناس على حب الوطن ووحدة الكلمة واحترام النظام والقانون والحفاظ على المقدرات ونبذ الفرقة والذود عن حياض الوطن العامة، والفرد في وطنه عزيز وفي غيره غريب.

وكم من تارك وطنه اختيارا ندم وعاد ولو لشقاء حال، وآلام اللاجئين تصنع الفرق وتذكي في الإنسان شكر النعمة، ورصيف الوطن مليء بتاريخ في الشعر والنثر وفي المكتوب والمقروء والمسموع، مما يجعل الوطن ضرورة الشعور وجواز سفر السلامة الروحية، فاللهم آمنا في أوطاننا.