حسن علي القحطاني

إيران وخيارات الصفر

السبت - 27 أبريل 2019

Sat - 27 Apr 2019

تعتمد الإدارة الأمريكية من بعد الحرب العالمية الثانية في سلم أدوات إخضاع الأنظمة التي تهدد مصالحها على العقوبات كأداة أساسية تأتي بعد الدبلوماسية وتسبق العمليات العسكرية، ولها تجارب سابقة، منها على سبيل المثال ما فرضته الولايات المتحدة على كوبا من عقوبات اقتصادية تعتبر الأقسى في العصر الحديث، نتج عنها توقف صفحة التاريخ للإنسان والمكان الكوبي، وما زالت حتى الساعة بعض هذه العقوبات قائمة، ونجاح هذه الأداة عائد لحجم الاقتصاد الأمريكي الذي يشكل سوقا أساسية لبضائع الدول الأخرى، كما أن الأسواق المالية الأمريكية تعتبر المصدر الأساسي لتمويل الشركات في العالم، ناهيك عن أن استخدام الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية العالمية جعل المصارف العالمية رهينة للمصارف الأمريكية.

قبل نهاية هذا الأسبوع (أي بعد 2 مايو المقبل) لن يكون هناك ثماني دول ولا حتى دولة واحدة ستحصل على إعفاءات أو استثناءات غضت واشنطن الطرف عنها ولو موقتا لشراء النفط الإيراني، هذا ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والغاية أن تصبح عائدات النفط الإيراني صفرا، وعزلها عن عملائها الرئيسين في مجال النفط كتطبيق للمرحلة الثانية للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران منذ مطلع نوفمبر الماضي، ومنح الإعفاءات في الفترة السابقة كان بهدف إعطاء مهلة لهذه الدول لإيجاد مصدر بديل، ولتتأكد من أن أسواق النفط لن تتأثر جراء توقف الصادرات النفطية الإيرانية، ولاكتمال استعدادها العسكري فيما لو ارتكب نظام طهران وحرسه الثوري الإرهابي أي حماقة تستدعي الانتقال للأداة الثالثة.

في طهران تعالت أصوات الاستنكار لهذا القرار، وعادت التهديدات التي نسمعها منذ عام 2005 بإغلاق مضيق هرمز واستهداف ناقلات النفط في مياه الخليج العربي، وهذا أمر لا تستطيع أن تفعله إيران لأنها غير قادرة على تحمل نتائجه، وإيران بحسب وزارة خارجيتها تعول على مساعدة حلفائها الأوروبيين لأنهم أكثر المستفيدين اقتصاديا من الاتفاق النووي، وتعهدوا بعدم الالتزام بالعقوبات، أو بالتحايل عليها، إلا أن وعودهم تراجعت وتباينت مواقفهم تحت وطأة الضغوط الأمريكية، كما أنها تعول على حلفائها الإقليميين كالعراق وتركيا، وكلاهما غارق في مشاكله، فبالنسبة للعراق ستتوقف كل المحطات التي تعتمد في تشغيلها على الغاز الإيراني، إلا أن الملاحظ أن حكومة بغداد بدأت خططا بديلة للتخلص من هيمنة إيران، بدعم من المملكة العربية السعودية ودول الجوار العربي، وبالنسبة لتركيا ستخسر أنقرة أهم مورد نفطي لها بأسعار تفضيلية، مما سينعكس سلبا على اقتصادها المتخبط والمترنح أصلا بسبب سياسات إردوغان، إلا أن دخول إردوغان تحت طائلة عقوبات الولايات المتحدة سيكون أشد فتكا بما تبقى من نظامه واقتصاد بلاده.

أخيرا، كل هذه المعطيات ستجعل إيران أمام خيارات معقدة، أولها وأفضلها تغيير سلوكها الإرهابي إما بزوال نظامها الحاكم في ظل انقسامات في بنية النظام ووضع داخلي يغلي، أو إذعانها صاغرة لشروط واشنطن الـ 12 لعقد اتفاق نووي جديد، وثاني خيارتها أن تنفذ تهديداتها التي لن تصمد أكثر من 48 ساعة أمام العمليات العسكرية لأمريكا وحلفائها من المجتمع الدولي.

أما ثالث خياراتها فهو أن تناور وتحرك أوراقها وأذرعها في المنطقة لتفتعل حربا لن تتأخر عن الصيف المقبل لتخفيف ما يواجهها، وتتحمل الألم على أمل أن تتغير سياسة أمريكا إن تغير رئيسها في انتخابات 2020، وهنا لن تجد واشنطن صعوبة في تطبيق الحزمة الثالثة من العقوبات الكفيلة بتحويل إيران إلى كوبا ثانية.

@hq22222