ناصر الهزاني

«نيويورك تايمز».. التفكير خارج الصندوق

الثلاثاء - 23 أبريل 2019

Tue - 23 Apr 2019

في الوقت الذي تعاني فيه مؤسساتنا الصحفية من تراجع حاد في الإقبال عليها، مما كبدها خسائر واضطرها لتسريح عدد من صحفييها المميزين، كانت صحيفة نيويورك تايمز تسلك طريقا مغايرا لا يعتمد على الإعلانات كمصدر أساسي، وإنما العمل على جذب مشتركين جدد لموقعها الالكتروني.

إن الوصفة الطبية التي اتبعتها صحيفة نيويورك تايمز هي أنها تناست الإعلانات وركزت جهدها في تطوير المحتوى الرقمي بغرض استقطاب وجذب المشتركين الرقميين، وهو ما أثبت نجاحه، حيث ارتفع عدد مشتركي النسخة الرقمية. هذا الواقع المتغير الذي فرضه انتقال العالم إلى عصر الإعلام المتجدد هو ما تراهن عليه اليوم وسائل إعلام كثيرة من خلال الاشتراك المدفوع عبر الانترنت، حيث من المتوقع أن يكون مصدر الإيرادات الرئيس لعدد من المؤسسات الإعلامية العالمية الكبرى عام 2019.

صحيفة نيويورك تايمز لم تكن تتوقع أن يرتفع عدد مشتركيها على الانترنت بعدما عملت على تطوير محتواها الرقمي في الربع الأخير من 2018 ليصل إلى 4.3 ملايين مشترك، وهو ما شجعها على التخطيط للسنوات القليلة القادمة لتتخطى حاجز 10 ملايين بحلول 2025، حسبما أعلنته المجموعة في بيان بهذا الخصوص.

خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي زاد عدد مشركيها في النسخة الرقمية 265 ألفا، حيث تعد أكبر زيادة تشهدها المجموعة منذ الربع الأول من 2017.

هذا الأسلوب المتجدد الذي اتخذته «نيويورك تايمز» جعلها تحقق صافي إيرادات بلغ 127 مليون دولار سنة 2018، مقابل 6 ملايين لا غير في 2017.

وفق تقرير نشره معهد رويترز لعام 2018 فإن الاشتراكات الرقمية ستصبح مصدر الدخل الرئيس للمؤسسات الصحفية عام 2019، ولا سيما مع تراجع حجم الإعلانات على الانترنت وانصراف المعلنين إلى الشركات العملاقة كقوقل على حساب المواقع الالكترونية للصحف، وهو ما أكده المسح الذي قام به مركز أبحاث الصحافة التابع لجامعة أكسفورد على 200 مدير تنفيذي في 130 وسيلة إعلامية من 29 دولة.

وقد تبين أن سبب الانخفاض الحاد في الإعلانات عبر الانترنت يشير إلى تغير اتجاه المعلنين إلى قوقل وفيس بوك، لقدرتهما على الوصول إلى جمهورهما بشكل أكثر فعالية وعلى نطاق أوسع من مواقع الصحف والإذاعة والتلفزيون، إذ يستحوذان على 79 % من استثمارات الإعلانات عبر الانترنت، و93 % على الهاتف المحمول، وهو ما حدا بمجموعة نيويورك تايمز وغيرها من المؤسسات الصحفية العريقة إلى البحث عن حلول عملية لتعويض الإيرادات التي خسرتها في ساحة الإعلانات الرقمية، فكان العمل على تطوير المحتوى الرقمي ومن ثم المراهنة على الاشتراكات هو الخيار الأمثل.

هذه الأرقام والنتائج تشير إلى أن هناك العديد من الحلول والخطط الإبداعية التي يمكن لمؤسساتنا الصحفية العريقة التي تملك إرثا كبيرا من العمل الصحفي المحترف والمصداقية التي تمتعت بها عبر عقود؛ أن تسلكها، وتفكر جديا في العمل على تغيير نمط إدارة أعمالها بشكل ذكي، ومن ذلك تطوير منظومة أدائها ومحتواها الرقمي بدلا من انتظار الدعم الحكومي أو انتظار لحظة التوقف النهائي وإعلان نعيها، وهو ما لا نتمناه.

nalhazani@