مرزوق تنباك

اختلاف المصطلحات ودلالتها

الثلاثاء - 23 أبريل 2019

Tue - 23 Apr 2019

طالب الدكتور سعد الهلالي بتغريدة له مضى عليها أكثر من عامين بعودة الاسم الأصلي لعلم العقيدة بعلم الكلام لأن علم العقيدة كما يقول يوحي بالقدسية وهو مبني على نظريات فلسفية، كما يطالب بتغيير اسم علم الشريعة إلى علم الفقه لأن الشريعة كلام الله والفقه فهم البشر، ويطالب بتغيير اسم الفتوى إلى الرأي حتى لا يكون لها قدسية وهي من فهم البشر. هذا معنى تغريدة الدكتور الهلالي ومطالباته، واقتراحه وجهة نظر مقبولة في عموم مقاصدها.

وهذه المطالبات كما سماها الهلالي ليست مشروعة ومعقولة فحسب، ولكنها كانت سنة الأولين من العلماء المحققين في كل العلوم الإنسانية التي يعالجها الناس في أمور حياتهم وينزلون عليها الأحكام التي يرونها أو يفهمونها مما توحي به أو ما يمكن أن يفهم من ظاهرها، وكان عند الأصوليين المسلمين رأي مثل هذا فيما يناط الحديث فيه من تعريف لموضوع الجدل أو الاختلاف في كل أمر وليس فقط فيما يتعلق بالمصطلحات الدينية، فكان تحديد المراد بدقة وضبط، حيث لا يجعل الفهم متشعبا حول ما يراد مناقشته أو تحديد معناه ودلالته لكي يكون المتحدث على علم لا يخالطه جهل فيما يريد الحديث عنه، وقد سموا ذلك التحديد (تحرير المسألة)، فلا يذهب الفهم فيها إلى ما يشبهها أو يقارب معناها، ولا يحدث الوهم الذي قد يقود إلى ما ليس مقصودا من عرض المسائل ومناقشتها وطرحها على مستوى من الوضوح والبيان، ولتحديد المقصود من المصطلحات التي تعرض للنقاش ضمان لسلامة الدليل الذي يدلي به المتحدثون في الأمر.

وقد ترك الناس في هذا الوقت هذه المعايير واتسعوا كثيرا في إطلاق مسميات شديدة الاتساع للدلالة التي تحملها وشديدة الغموض فيما يقصد منها، ويعود سبب ذلك إلى الاتساع بالمعارف العامة وتساهل الناس في أمر المصطلح وغايته والدلالة المرادة منه، فنجد أن الناس يتواضعون على أشياء ويجعلونها مرجعا يحتكمون إليه مع أنهم لم يحرروا معنى ما يجادلون فيه وما يختلفون حوله.

يدخل في حياتنا اليومية مئات المصطلحات في أمور كثيرة في الدين وفي الأدب والتاريخ وفي العلوم الأخرى ولا يكترث المتعاملون في هذه العلوم بما قد يساء من فهم القصد إذا لم يكن المقصود واضحا ومحددا بدقة متناهية لضمان صحة العبارة التي يستعملها المتكلمون ويتحدثون عنها.

والدلالات والاحتمالات واسعة ولكن ما هو جدير بالضبط الذي لا يترك مجالا لتفسير غير ما يراد الحديث عنه هي المصطلحات التي لها علاقة ودلالات بالكلمات التي تتوشح بمعان إسلامية ويقصد منها ما لا يصدق عليه فهم الناس لها كما أشار الأستاذ الهلالي بالفارق والمغاير بين العقيدة وعلم الكلام، علم الكلام علم واسع وغير محذور الحديث فيه والمجادلة واختلاف وجهات النظر وتعدد الاجتهادات حيث لا حرج في ذلك، أما العقيدة إذا أريد بها الإيمان فالأمر فيها مختلف والمساحة المتاحة للجدل محدودة ومعروفة المعالم، وكذلك الشريعة والفقه، فالفقه آراء الرجال وتفسيراتهم واجتهاداتهم في فهم مقاصد الشريعة، ومحاولاتهم لتقريب ما يمكن أن تعنيه، وهو بالتأكيد غير الشريعة التي شرعها الله لعباده، وليس من العدل أن يسمى مجمل اجتهادات الفقهاء مهما وفقوا إلى الصواب وقربوا إلى المراد بشريعة الله العادلة، لكن يسع ذلك وصفه كما هو اجتهاد الرجال يصيب ويخطئ.

Mtenback@