عبدالله المزهر

الأفكار لا تُقتل ولكنها تنتحر!

الاثنين - 22 أبريل 2019

Mon - 22 Apr 2019

التطرف ليس فكرة مستحدثة، هو مرض مزمن لا شفاء منه، كان ولا زال وسيبقى. قابيل كان متطرفا واعتقد جازما أن الحل الوحيد لمشاكله هو قتل أخيه. لم تتغير تلك القناعة حتى الآن، ولا زال الإنسان يعتقد أن القتل هو الحل الأمثل والأكمل.

ولذلك فإني مقتنع كواحد من الجنس البشري أن فهم التطرف ومعرفة كيفية التعامل معه أجدى نفعا من محاولات القضاء عليه، لأنه لن ينتهي.

حين تهدد انتحاريا بأنك ستقتله تبدو الفكرة مثيرة للتأمل بعض الشيء، هي أشبه بتعليق لافتة على جسر مكتوب فيها «انتبه: محاولة الانتحار بالقفز من هنا قد تؤدي إلى الوفاة». وإذا كان كل شيء على هذه الأرض معرضا للقتل فإن شيئا واحدا لا يموت حتى تنتهي الحياة برمتها، هذا الشيء هو «الفكرة»، هذه الحقيقة التي يجب أن تكون بوابة البشرية التي تخرج منها المشاكل وتدخل منها الحلول.

ولا بد بالطبع من التوضيح لبعض الأذكياء والعباقرة الذين قد يفهمون من كلامي أني أريد تقبل الإرهابيين والتعايش معهم، هذا قطعا ما لا أعنيه. لكني أعني أن هؤلاء أدوات سهلة الاستخدام، وإذا كان الإنسان الذي ليس لديه ما يخسره هو أخطر الكائنات الحية على الإطلاق، فإن الإنسان الذي قرر التخلي عن عقله طواعية يأتي في المركز الثاني في قائمة أخطر المخلوقات. والإرهابي المتطرف قد يكون من النوع الأول، وقد يكون من الثاني، وقد يكون ـ في الغالب ـ مزيجا من هذا وذاك.

وتبدو فكرة غير منطقية أن تشتكي من كثرة البعوض ولكنك في نفس الوقت تزيد من المستنقعات، وما يفعله العالم الآن هو أن يزيد هذه المستنقعات، ويوفر البيئة المثالية لبعوض التطرف والإرهاب.

ليست القضية هي مناقشة أفكار داعش، فالداعشي لا يكون داعشيا وهو يملك ذرة من عقل، وبما أننا تطرقنا للبعوض ـ لدي مشكلة شخصية معه ـ فإن مناقشة أفكار هؤلاء لا تختلف كثيرا عن فكرة محاورة البعوض في المستنقع للوصول إلى حلول وسطى. لو أن هذه الطريقة تجدي نفعا لاختفت داعش ولكان جلدي أقل احمرارا.

لا أشك مطلقا أن الجهات الأمنية تعرف وتفهم وتتابع، وأن لديهم من الأدوات والقدرات ما يجعلهم يفهمون القصة تماما وكما هي، لكني لست مطلعا على ما يعرفون ولذلك فإن الأسئلة الساذجة التي تطرأ في ذهني بعد كل عمليه إرهابية تذهب بي في كل اتجاه. بعد العمليات الفاشلة الأخيرة لداعش لا بد أن أتساءل، لماذا لم تقم داعش بأي عملية انتقامية بعد أن دمرت تقريبا في سوريا والعراق، ولكنها لم تستطع الصبر بعد تصاعد الأوضاع السيئة في إيران؟

داعش مارست القتل وتبنت العمليات في كل مكان على الخريطة تقريبا، لكن لماذا توجد دول بعينها ـ إضافة إلى القطبين المتجمدين ـ لم تتعرض حتى لمحاولات الإرهاب الداعشي ومشتقاته مع أنها تمارس عيانا بيانا ما تحاربه داعش في أدبياتها؟! الإجابة طبعا وقطعا أني لا أعلم، ولكني أحب الأسئلة أكثر من الإجابات.

وعلى أي حال..

أظن أني حزين، وكما أشعر بالأسى على عائلة إنسان وقع ضحية لمتطرف باع عقله، فإني أشعر بكثير من الأسى على عائلة شاب كانت تتخيل وتزين المستقبل في أحلامهما، ثم وجدوا ابنهم فجأة يحمل حزاما ناسفا ورشاشا ويقتل أو يحاول قتل أناس لا يعرفهم، ولم يسبق أن اختلف معهم حتى ولو على موقف سيارة.

agrni@