عبدالله المزهر

المحن النهائية!

الاحد - 21 أبريل 2019

Sun - 21 Apr 2019

جاء في معاجم اللغة عن الأصل «محن»: «مَحَنْتُ البئر مَحْناً، إذا أخرجتَ ترابها وطينها، والمِحْنَةُ واحدة المِحَنِ التي يُمْتَحَنُ بها الإنسان من بليَّةٍ، ومَحَنْتُهُ وامْتَحَنْتُهُ، أي اختبرته، والاسم المِحْنَةُ، ومَحَنَهُ عشرين سوطاً، أي ضربَه. وأتيتُ فلاناً فما مَحَنَني شيئاً، أي ما أعطاني» أ.ه.

وإن مما عم به البلاء ما يسمى بامتحانات نهاية العام الدراسي، وهي نظام اخترعه البشر لكي يتأكد المعلمون أن المتعلمين قد وعوا ما قيل لهم وحفظوه، وفي الأوقات التي تقام فيها هذه الفعاليات تستنفر الأسر، ويصاب كثير من الأهل بحالة من الذعر والارتباك، ينقلونها إلى أبنائهم الممتحنين، وأما البعض الآخر فيستغلون حالة البر التي تصيب أبناءهم في هذا الوقت من العام، فالطالب يمكن أن يقوم بأي عمل حتى لو طلبت منه حفر قناة تربط البحر الأحمر بخليج العرب فإنه سيفكر في الأمر جديا، وسيجد في ذلك فرصة سانحة تبعده عن الكتاب والمذاكرة.

وقد كنت أقارن بين الامتحانات في جيلي والامتحانات في جيل أبنائي وأسفه جيلهم، وكنت معتمدا في ذلك التسفيه والتحقير لاختبارات هذه الأيام على أن الطالب الذي يريد جوابا على مسألة سيجد ألف موقع يشرحها وألف معلم يتحدث عنها بكل لغات العالم الحية والميتة، وكنت أقول بأن الجهل لم يعد مبررا حتى ولو لم يكن هناك امتحانات واختبارات، وأن كل إنسان على هذا الكوكب يستطيع إن هو أراد أن يتعلم أي فن يريد، وأن يبدع فيه ويتقنه وأن يعرف أقوال المتقدمين والمتأخرين فيه دون أن يقوم من فراشه. وسيكون أمرا شديد الغرابة بعد هذا كله أن يعجز عن إجابة سؤال في نهاية العام الدراسي.

ثم إني عدلت عن هذه المقارنات، فكل جيل يواجه صعوباته الخاصة، ويتعامل مع الحياة وفق أدواته، يعرف الحياة التي يعيشها فقط، أما الحياة التي سبقته ويسمع عنها فلا تعنيه في شيء، وأنت حين تقص على أبنائك ما كنت تعانيه، فإنك تعني ما كنت تعانيه مقارنة بالحاضر، أما في وقتها فلم تكن تعتبر الأمر معاناة كبيرة. يصعب على ابنك المقارنة بين حياتين لأنه لا يعرف إلا واحدة، ولذلك فإنه غالبا سيتعامل مع كل قصصك وبطولاتك المدعاة على أنها من أساطير الأولين التي لن تغير شيئا في حياته.

وعلى أي حال..

أي بني، إن الدنيا دار امتحان من أول شهقة لك فيها حتى آخر زفرة، وإن أسهل اختبار ستواجهه فيها هو أي اختبار تعرف وقته وتتعلم فيم ستختبر، بل إن بعض المتأخرين ـ الذين لا أعرفهم ـ يقولون إنك حين تعرف الوقت والموضوع وتعطى فرصة للاستعداد فإن ذلك شيء أقل بكثير من أن يسمى امتحانا أو اختبارا. ثم إنه ليس أمرا سيئا إن لم يحالفك النجاح، الفاشلون يسيطرون على الكوكب فكن أحدهم.

agrni@