عبدالله المزهر

رقصة الذباب ليست عملا فنيا..!

الثلاثاء - 09 أبريل 2019

Tue - 09 Apr 2019

كانت لي أمنيات قديمة أتذكرها الآن ولا أضحك كما نفعل عادة حين نتذكر أفكارنا العبثية وأحلامنا التي لا يمكن أن تتحقق بعد أن تتوطد علاقتنا بالواقع ونعرفه ونألفه وتتواري أحلامنا الساذجة لتحضر فقط على هيئة ذكريات بائسة نسخر بها من أنفسنا.

من ضمن هذه الأمنيات السخيفة أنني كنت إلى وقت قريب أحلم بأن تكون صراعات التيارات الفكرية متعلقة بالأفكار لا الأشخاص، أن يكون ما في داخل الرأس أهم مما يوضع عليه. أن يكون عقلك أهم من ملامحك في أي نقاش تدخله، أن تتقبل الفكرة من شخص لا تتقبله وأن تفعل العكس أيضا، ثم إن حلمي مات موتة بشعة حين عرفت أصلا أن الهدف الحقيقي لأغلب هذه الصراعات هو «أكل العيش»، لا علاقة للفكر ولا الأفكار بما يحدث.

ثم إني دفنت حلمي بعد أن عرفت أن الفريقين أصلا أضعف وأتفه من أن يخوضا أي صراع من أي نوع، والورقة الرابحة في يد أي منها هي «السلطة» وهي ورقة تنتقل من فريق لآخر بين الفنية والأخرى، والحجة الدامغة في أي نقاش هي التي تجعل طرفا قادرا على استعداء مؤسسات الدولة على الطرف الآخر. ما عدا ذلك فكل فريق أكثر خواء من الآخر.

قبل أيام أجرت قناة تلفزيونية لقاء مع باحثة سعودية متميزة، وإلى هنا والأمر جميل، لكن الفكرة البشعة هي أن «العلم» لم يكن موجودا في النقاشات حول اللقاء، كان الحجاب هو النقطة الرئيسة التي انطلق منها فريق الهجوم على الباحثة والقناة، وهذا أمر استاء منه فريق الدفاع وهم محقون في هذا الاستياء والامتعاض، لكنهم يعلمون ـ كما تعلمون ويعلم الناس جميعا ـ أن «شكل» الضيفة وطريقة لبسها هو دافعهم الرئيس لهذا اللقاء التلفزيوني، أي أن علمها وأبحاثها وفكرها لم تكن السبب الرئيسي في استضافتها ولا سببا في الهجوم على مستضيفيها. كل القصة كانت تدور حول «الشكل»، وكل حزب بما لديهم فرحون.

والحقيقة أيها الناس أن فكرة «التحزب» والانتماء لفريق في هذه المباراة الطويلة فكرة مربحة، وتصنع جماهيرية من لا شيء. كل ما يلزمك لتكون نجما هو أن تصرح عن انتمائك لأحد الفريقين وتدافع عن قضاياه وتهاجم الفريق الآخر، ثم قدم بعدها أي عمل ـ رواية مثلا ـ ومهما كان عملك تافها وغبيا ستجد أن فريقا يدافع عن عملك دون أن يشاهده، وفريقا يهاجمه دون أن يعرف محتواه، وهذا طريق الشهرة الأكثر سهولة ويسرا، وستحصل على دعاية مجانية من الفريقين، وسيحقق عملك مبيعات لم تكن لتحلم بها في وضع طبيعي. ولا تهتم بالهجوم لأنه لا يرمى إلا الشجرة المثمرة ـ كما تعلم ـ ولأن الفريق الآخر سيقدمك على أنك مفكر حتى لو لم يسبق لك استخدام عقلك إلا في الأفعال اللاإرادية التي تقوم بها عقول كل الكائنات الحية.

وعلى أي حال ..

يقول مغرضون: حين تكون الصراعات هي بيئة نجاحك، وتشعر بالعجز في غيابها، فإنك لست مبدعا ولا مثقفا، أنت أشبه بذباب يتراقص حول «الوساخة» ويوهم نفسه أنه يقدم استعراضا فنيا.

agrni@