مرزوق تنباك

الإنسان المناسب في المكان المناسب

الثلاثاء - 09 أبريل 2019

Tue - 09 Apr 2019

من مفرداتنا الإدارية في الماضي القريب الرجل المناسب في المكان المناسب، أي إن اختيار الرجال لمواقعهم في الأعمال الإدارية هي البحث بدقة عن الموظف الذي يصلح للموقع الذي يسند إليه ويصلح للمهمة التي تتعلق بخدمة الناس ومصالحهم، وهي محاولة للتأكد من قدرته على التعامل المنصف للجميع وأداء الوظيفة العامة.

كما يجب أن يكون الأداء الذي لا يخضع للمواضعات الاجتماعية التي قد تعرقل عمله أو تؤثر في أدائه ومصداقيته، ولا سيما عندما يكون العرف العشائري هو السائد في المجتمع حينذاك، هذه الكلمة رددناها فيما مضى من السنين حتى مللنا من ترديدها على الرغم مما تحمل من قصد حسن وغاية نبيلة ومعنى صائب يقدر الفوارق الفردية والقدرات الذاتية ويميز بينها ولا يتجاهل شيئا منها.

ولأن التطور والتقدم والتغير والتحول الذي نعيشه لا يمنع أن نستعمل كلمات الماضي القريب ونكررها حتى وإن كان انطباقها على الواقع لم يتحقق منذ اخترعها القائل الأول الذي لا نعرف متى جاءت على لسانه، وقد تكون جاءت فلتة فاستحسنها الناس وقالوا بها دون تطبيقها، ولأن الزمن الذي قيلت فيه أول مرة هو زمن الرجل في بلادنا ولم يكن للمرأة وجود إداري ولا حضور معنوي في أي مكان في تلك الحقبة الماضية من حاضرنا القريب إلا أن ريح التغيير لم تكن ساكنة بالنسبة للمرأة، بل أصبحت ريحا تهب رخاء لصالحها، وتدفعها إلى السير إلى جانب الرجل موازية له أو متقدمة ومفضلة عليه في بعض الأحيان، وقد لا نلبث طويلا حتى تتسنم الوزارة وتكون مثله أو تسبقه في تقلد المواقع الإدارية الرفيعة، فهي مثل أخيها الرجل في الإدارة وفي التجارة والوزارة وقد صارت بجانبه فعلا؛ لهذا كله يلزم أن نغير بعض المصطلحات وبعض المفردات المعهودة والمعاني المكررة، فنقول الإنسان المناسب في المكان المناسب بصفة تجمعهما وتنصف كل منهما.

اللغة بعموم دلالتها واتساع مضامينها لديها مفردات تجمع الجنسين دون تفريق أو تمييز بينهما، إذن وضع الإنسان المناسب في مكانه المناسب هو ما نطمح إليه، وليس من الضروري أن يكون المكان المناسب هو ما يتبادر إلى البال من أنه علم الإدارة ومجالها، فهناك مجالات كثيرة غير الإدارة يحتاج أن يوضع الإنسان المناسب لها في المكان الذي يصلح له ويحسن الخدمة فيه إذا أسندت إليه، لأن المكان المناسب ليس حديا في مدلوله الوظيفي، وإنما مساحة المناسبات غير محدودة، فالإنسان المناسب هو ذاك الذي يعرف أين تكمن قدرته ومهارته في شؤون الحياة وشجونها في الإدارة وفي التجارة والصناعة وغير ذلك من مناشط الحياة على تنوعها وتعدد منافعها، وأين يضع نفسه منها أو يضعه الناس الذين يتعاملون معه ويعرفون مهاراته وقدراته التي يتحلى بها.

وفي هذه العبارة هناك تلازم بين الإنسان والمكان الذي يشغله والخدمة المنوطة به التي يقدمها للناس حين يؤتمن عليها، فيخلق بيئة اجتماعية نظيفة وسليمة ومنتجة تبعث قدرات الإنسان النزيه على مزيد من العطاء للخدمة العامة في أي مجال يوكل إليه.

الإنسان المناسب في المكان المناسب هي أيقونة النجاح البارزة في معترك الحياة وفي التعامل مع الناس في كل ميدان يعملون فيه، وذلك الذي يخلق جوا ومحيطا تفاعليا مريحا ومقبولا يبعث على الرضاء والإبداع والارتياح النفسي والوجداني عند الفريق العامل حين يجمعهم مجال واحد من العمل. يبقى جواب السؤال الصعب: من هو الإنسان المناسب للمكان المناسب؟ وكيف نعرفه ونضعه في مكانه الذي يستحق؟

Mtenback@