عبدالله المزهر

اكتفينا يا كيابل...!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 04 أبريل 2019

Thu - 04 Apr 2019

من حسن حظنا كأمم أتت بعد الحضارات السابقة بآلاف السنين أن «بخاخ البوية» لم يكن موجودا في تلك العصور الغابرة، في الغالب كانوا سيستخدمونه في كتابة كل النقوش والرسومات التي وصلتنا اليوم وعرفنا من خلالها كيف كانوا يعيشون وكيف انتهوا، وقد وصلتنا تلك المنقوشات والرسوم لأنها نقشت على الصخور فكانت أكثر مقاومة وأطول عمرا من غيرها من أنواع الرسم والكتابة.

من المؤكد أنهم لم يكتبوها لنا، ولكنها كانت وسيلة الكتابة المتاحة، هم كتبوها كذكريات تماما كتلك الموجودة على الطرقات والكباري وصخور المتنزهات وأسوار الحدائق لدينا.

لو كانت البخاخات موجودة في تلك العصور الغابرة لاستخدموها ولكتب الفراعنة على ضريح رمسيس «اكتفينا يا كيابل»، وهي عبارة مكتوبة على سور استراحتنا، وهي فيما يبدو أقرب للهيروغليفية لأني عجزت عن تفسير معناها حتى اللحظة، وستمحى وتندثر قبل أن يطلع عليها علماء الآثار بعد آلاف السنوات ويحللون معنى الكيابل التي انتهى منها البشر الذين عاشوا الحضارة الكيبلية البائدة.

الجانب المشرق في عدم قدرة النقوش «البخاخية» على البقاء هو أنها لن تكون سببا في الإحراج حين نلتقي في زمن ما مع البشر الذين سيأتون بعدنا بآلاف السنين، لو كنا مثل السابقين ننقش على الحجر فإني لا أعلم ما هو التفسير الذي سيقدمه علماء الآثار اللاحقون حين يجدون عبارة «المدير للبيع» منقوشة على سور مدرسة وجدت تحت الرمال أثناء التنقيب عن آثار محتملة. وكيف سنفسره لهم بعد أن نلتقي في اليوم الذي ستجتمع فيه كل الأمم والحضارات السابقة واللاحقة.

اليوم قرأت أن هيئة السياحة تلاحق مواطنا من العصر البخاخي عبث ببخاخة في نقوش أثرية وأزال معالمها، وهذا سلوك لم أجد له تفسيرا منطقيا مقبولا، ربما يكون هذا هو «صراع الحضارات» الذي يتحدث عنه المثقفون هذه الأيام.

ومع أني أعترف بأني أحب كثيرا قراءة العبارات العبثية المكتوبة على الأسوار، وأجد في بعضها حكمة بالغة ضلت طريقها عن الكتب ومنابر النشر، إلا أن تصرف المواطن البخاخي كان تصرفا أنانيا وقحا، لأنه محا نقشا أثريا موجودا وبالغ الأهمية، ولأنه لم يكتب أي شيء. وأقترح عقوبة لمثل هؤلاء أن يطاف به في الأسواق على حمار وقد كتب بالبخاخ على ظهره العاري «أناني».

وعلى أي حال..

من ضمن أمنياتي القليلة في الحياة أن يكون لي جلد أولئك الذين يتسلقون الأسوار والجبال، أو يقفون على الجسور وفي المنعطفات الخطرة ليكتبوا أسماءهم وتواريخ مرورهم، أو ليكتبوا أسماء قبائلهم أو الفرق التي يشجعونها، أريد بالفعل أن يكون لدي هذه القدرة والصبر على عمل الأشياء التي لا تعني أي شيء. أريد أن أجرب كتابة « اكتفينا يا كيابل» بالبخاخ على عوارض المرمى في ملعب الدمام.

@agrni