عبدالله المزهر

اغتصاب لا يحتاج أكثر من «وهبتك.. قبلت» ...!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 26 مارس 2019

Tue - 26 Mar 2019

كنت محتارا -ليس كثيرا- وأنا أهم بكتابة هذا المقال، هل أكتب عن الفقع وأخبركم أني لا أحبه ولا أستسيغه، أم إنه من الأفضل الكتابة عن اعتراف ترمب بالجولان كجزء من أراضي الكيان الصهيوني. وكلاهما موضوع شيق يمكن الكتابة عنه دون أن نصل في نهاية المطاف إلى نتيجة.

وأنا أحب الموضوعات التي لا تعني الكتابة عنها أي شيء. ثرثرة من أجل الثرثرة ليس إلا. ولعلي اخترت الحديث عن الجولان ربما لأنه يختلف عن الفقع بأنه لم يظهر فجأة من العدم، وهذه ميزة مرجحة.

صحيح أن ترمب يعطي مالا يملك لمن لا يستحق، وأن الصهاينة كيان مجرم دموي قائم على فكرة «المظلومية» التي تبرر له قتل أي أحد وبأي طريقة وفي أي وقت. ثم الاستيلاء عيانا بيانا على أراضي الغير في السرقة الأوضح منذ نشأة الكون. لكن ومع صحة كل هذا فإنه حتى في الشرع يختلف حد السرقة لا يقام على السارق إذا لم يسرق من حرز.

والأراضي العربية في حكم بشار ومن سبقه ومن لحقه ممن يشابهه لم تكن في حرز، ولذلك فإن سرقتها لا تستوجب الحد.

وربما اتكأ فقيه العالم ترمب على هذا وهو يوقع وثيقة اعترافه بأن السرقة أحد الطرق المعتبرة لإنشاء الدول من العدم. وهذا بالمناسبة يعيدنا لموضوع الفقع الذي قد نسيته.

والعجيب -ولكنه ليس غريبا- أن البطل المقاوم بشار، يقصف إدلب السورية ويقتل سوريين في اليوم التالي لاعتراف ترمب وإعطائه الجولان إضافة إلى القلم الذي وقع به للصهيوني نتنياهو. وهذا يوضح بجلاء كيف ذهبت الجولان سابقا وكيف تأكد رحيلها الآن وكيف سبقتها القدس وفلسطين وكيف ستلحق بها أراض أخرى يراها الصهاينة قريبة وتراها قصائدنا بعيدة.

الفكرة ببساطة أن هذه الزمرة من الحكام -المقاومين- يعملون وفق استراتيجية واضحة لمن أراد أن يرى الواضحات، وهي أن العدو الأول لهم هي شعوبهم، وكل حساباتهم وخططهم وتسلحهم موجهة لمقاومة هاجس واحد يسكن عقولهم وهو أن هذا الشعب قد يحاول طردنا واقتلاعنا من كراسينا. لذلك فإنهم يجدون أن الخيانة وغض النظر عن القاتل الذي يحوم في الجوار أمور مبررة بما أن نتيجتها النهائية هي البقاء في الحكم حتى وإن ذهب الوطن والمواطنون للجحيم.

الله والناس والشعوب والهواء والدواب والهوام والصهاينة وأمريكا وعموم قبائل الغرب وبني الأصفر والأحمر وكافة ألوان الطيف يعلمون هذا ويرونه ويفهمونه ويعونه. إنه من الأمور التي لا تحتاج إلى عقل لمعرفتها، هي أشياء يمكن رؤيتها وفهمها حتى دون وجود الرأس بكافة ملحقاته.

ولكن مع هذا فإن الناس ما زالوا يفاجؤون في كل مرة تحدث النتيجة الطبيعية للمعادلات التي يرون مدخلاتها بأعينهم، وهي دهشة تشبه أن تضع لحما وأرزا وماء في قدر وتضعه على النار ثم يدهشك وتفاجأ بعد أن تنتهي بأن النتيجة هي «كبسة».

وعلى أي حال ..

وبعيدا عن الكبسة والفقع، أتمنى أن يكون الوقت الفاصل بين ذهاب الجولان وذهاب الأرض العربية التي ستلحقها طويلا بما يكفي لحصول ترمب على قلم جديد يوقع به اعترافه. سيكون الأمر محرجا أن يكون العائق الوحيد أمامه هو عدم وجود قلم للتوقيع. ولعلهم يكتفون مستقبلا بالعقد الشفوي، أن يقول ترمب: وهبتك ويقول نتنياهو: قبلت، لا حاجة للأوراق والمواثيق المكتوبة، لأنها لا تعنيهما أصلا.

@ agrni