أحمد الهلالي

علاقة الجامعات بالمؤسسات الخاصة!

الثلاثاء - 26 مارس 2019

Tue - 26 Mar 2019

بحثت المقالة السابقة (علاقة الجامعات بمؤسسات المجتمع) العامة، وأمانيها أن تنحو الجامعات إلى تقييم تلك المؤسسات وتقديم النصائح المهمة لتجويد أدائها، وتحسين منتجاتها وخدماتها، وأن تحث باحثيها إلى دراسة منتجاتها وأدوارها، وهذه المقالة تقصد إلى دور الجامعات في تطوير أداء المؤسسات الخاصة.

في كل محافظة مئات المؤسسات التجارية الخاصة، المرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة الناس، وكل مؤسسة تحاول جاهدة حسب إمكاناتها أن تبني سمعة طيبة تجذب المستفيدين، وبعضها لا تهتم فيأتي دور الجهات الرقابية المتخصصة في ملاحقة المخالفات، مثل قضايا الغش التجاري، والاحتكار، وتضليل المستهلك، وغيرها، لكن هذه الجهات تعمل وفق منظومة رسمية لها معاييرها وأنظمتها في المتابعة، وهذا شأن مختلف تماما عما تقصد إليه المقالة.

بحكم أن الجامعات بيوت خبرة تحوي الكثير من التخصصات، ومن أهدافها الرئيسة خدمة المجتمع، فإنها تغفل عن دور اجتماعي مهم تجاه المؤسسات التجارية في محيطها، فلو تمثلنا بالقطاع الصحي، فكم مستشفى خاص ومستوصف وعيادة طبية وصيدلية في المحافظة، ولأن الجامعات تحوي كليات الطب، والصيدلة وكليات العلوم الصحية، فماذا يمنعها كجهة مستقلة محايدة، من رسم خطة تقييم تحفيزية مقننة لتلك المؤسسات الخاصة؟ فهي قديرة على تصميم عدد من المعايير التقييمية الشفافة للمؤسسة وجودة الخدمات والأسعار المقدمة، تعتمد فيها على العلمية الصارمة والموضوعية والدقة، وعلى مسوحات رضا عملاء المؤسسة وملاحظاتهم، وأن تكون بعيدة كل البعد عن الجوانب الرقابية، أو الجوانب النفعية، ثم في نهاية كل عام تعلن تقييمها (الدقيق النزيه) للقطاع الصحي في المحافظة، وتقديم شهادات تميز للمؤسسات الحاصلة على تقييمات عالية دون احتفالية ولا منح جوائز، ثم التوصيات والنصائح للمؤسسات المتأخرة.

وتستطيع الجامعات بما تملك من طاقات أن تفعل مثل ذلك في القطاع الغذائي، تفرض من خلال قائمتها السنوية معايير خاصة لدخول المنافسة، إذا طبقتها المنشأة الغذائية تمنحها حق المنافسة، ومثلها القطاع السياحي، والقطاع المالي، والقطاع الخدمي، وغيرها من القطاعات المرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة المواطن ومصالحه ورفاهيته.

تخيلوا إذا استطاعت الجامعة بناء معايير دقيقة شفافة، لا تشوبها شائبة ظن، وأعلنت تلك المعايير لكل قطاع، ثم أصدرت تقييمات حقيقية، مصحوبة بالنصائح العملية لتطوير أداء المؤسسات المتأخرة، تخيلوا كيف سيكون تنافس المؤسسات الخاصة على تقييم الجامعات؟ فالهدف كله تجويد المنتج والخدمات المقدمة، وتحسين الحياة وتطويرها إلى الأفضل، وهذا هو الدور الذي يجب أن تلعبه الجامعات، بما تملك من خبرات وطاقات علمية.

كل جامعاتنا فيها (كلية خدمة المجتمع) لكن دورها شبه غائب عن (المجتمع) إلا في البرامج المدفوعة (انتساب/ لغة إنجليزية/ وغيرها) أو فعاليات تستطيع الكليات المتخصصة القيام بها، وهذه الفعاليات على أهميتها تظل محدودة، فإلى متى وجامعاتنا تنكفئ على ذاتها عن المجتمع، وتظل مجرد مدارس كبيرة تعلن عن التسجيل والتخرج، وكل التقييمات التي ترفعها المؤسسات العامة والخاصة على جدران الاستقبال ومكاتب المدراء تأتيها من خارج الوطن غالبا، ولا نعلم عن كيفية تلك التقييمات، فهل الخارج أعلم من جامعاتنا بحال مؤسساتنا؟ وهل الخارج أدرى بحال مواطنينا؟ وهل يجرون المسوح الموسعة لمعرفة رضا المواطن والمقيم والسائح عن خدمات المؤسسات الخاصة؟

في رأيي أن البوابة الحقيقية في شأن (خدمة الجامعات للمجتمع) هي تحسس همومه واحتياجاته وشكاواه، وبناء القنوات الحقيقية التي تعالج القضايا الاجتماعية باختلاف أنواعها، والتفات الجامعات إلى تقييم أداء المؤسسات العامة والخاصة سيكون قناة من القنوات التي ينتظرها المجتمع،ويجب على الجامعات أن تبادر إلى ذلك من خلال تأسيس الأرضية القانونية، وعقد ورش العمل العلمية المتخصصة لبناء المعايير النزيهة، وتحكيمها من مؤسسات عالمية، والبدء في تنفيذها، وتكليف لجان خاصة على مستوى رفيع من النزاهة والعلمية، عبر مراكز أو كراس علمية رصينة.

يجب أن تواكب جامعاتنا العزيزة المتغيرات، فرؤية 2030 طموحة جدا، وهي أكبر من كل الفعاليات والبرامج التي تقيمها كثير من الجامعات اليوم وتسجلها تحت شعار الرؤية، فالمتابع يعلم أن الجامعات تسير بأقل من نصف طاقاتها، لذا؛ فعليها أن تفجر كل الطاقات الكامنة لتطير بأجنحتها الثلاثة (التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع).

ahmad_helali@