أحمد الهلالي

علاقة الجامعات بمؤسسات المجتمع!

الثلاثاء - 19 مارس 2019

Tue - 19 Mar 2019

التوق إلى المثالية هو محركي الرئيس للكتابة عن الجامعات، فهذه الصروح العملاقة هي منارات الوطن الرئيسة، كل الوزارات والإدارات والمؤسسات الوطنية يخرج قادتها ومنسوبوها من هذه المنارات، ودور جامعاتنا العزيزة أن تقود المجتمع والمؤسسات الوطنية إلى الترقي وتجويد الأداء والمنتج من خلال ما تغذي به مخرجاتها التي تضخها سنويا، فالجامعة بيوت خبرات نفترض فيها المثالية، والنموذج الأعلى.

وجود جامعة في المحافظة يعني وجود منارة عظمى، ومؤسسة عملاقة، تحوي بين أسوارها مشاعل نموذجية تؤثر في (المجتمع ومؤسساته الحكومية والخاصة)، فكل شباب وشابات المحافظة هم المكون الرئيس للجامعة، ومن هنا يأتي التأثير الاجتماعي، أضف إليه البرامج الاجتماعية المدروسة الموجهة التي تقدمها الجامعة للمجتمع، وكذلك البرامج والاستشارات المقدمة لمؤسسات المجتمع على اختلافها، والشراكات والتعاون الحقيقي الذي يشعر تلك المؤسسات بأن الجامعة تساعدها بدافع وطني شفاف لا تشوبه الظنون، ولا تمسه التوجسات، وصولا إلى الدراسات التي تجريها الجامعات على مجتمعاتها لرصد الصور الاجتماعية المختلفة، والعمل على تغيير السلبي، وتعزيز الإيجابي.

تحيرني نظرة بعض الجامعات، حين ترى ذاتها مجرد مؤسسة كغيرها من مؤسسات المحافظة، بل إن بعضها تنخرط في منافسات مقلقة مع مؤسسات صغرى متخصصة في مجال ما، بدلا عن التقارب والعمل على تجويد أداء تلك المؤسسات وتطويرها، وهذا ـ في رأيي ـ يأتي من جهل أو تجاهل صانعي قرار تلك الجامعات بكنوز الجامعة، سواء في خبرات الأساتذة، أم في طاقات المواهب الشابة من طلابها.

من أمارات تجاهل بعض الجامعات لدورها الاجتماعي والوطني أنها تصنع حواجز بينها وبين المؤسسات الأخرى، أو الشرائح الاجتماعية، تتجلى في عدد من المواقف، فبعض الجامعات تمنع بعض منسوبيها من المشاركة في مناشط مؤسسات المجتمع، وأتذكر أن جامعة تحقق مع أستاذة لأنها قدمت دورة في إحدى المؤسسات، وجامعة منعت طلابها من التدرب مساء في مؤسسة ثقافية لقربها منهم، دون مراعاة لظروفهم، وجامعات يتميز أحد طلابها أو منسوبيها في أمر ما فلا تقدمه إلى المؤسسة المتخصصة لإبرازه، على سبيل المثال، تميز عدد من الطلاب في الأولمبياد الثقافي للجامعات الذي نظمته جامعة الملك خالد. من هنا لا بد أن تستشعر الجامعات دورها في تقديم المميزين إلى المؤسسات المتخصصة في فنونهم الأدبية أو الفنية أو العلمية أو الرياضية أو الدعوية وغيرها، فهذه المواهب تستحق العناية الجادة، ولا يليق أن تنتظر الجامعة استقطاب تلك المؤسسات لهم.

ومن الأمارات قلة مشاركة بعض الجامعات في كثير من الفعاليات الاجتماعية والثقافية إلا للوجاهة غالبا في فعاليات يرعاها مسؤولون، وكذلك قلة استضافتها لفعاليات المؤسسات الصغرى، أو إشراكها في فعاليات الجامعة، وكسر حواجز الشعور بالمنافسة أو التفرد، أو الشعور بمحاولات الهيمنة، ولم أسمع عن جامعة عقدت ندوة أو ملتقى واستضافت مؤسسات المجتمع في محيطها للتعريف بها، وحث طلابها ومنسوبيها على التواصل معها.

ومن جهة أخرى لو زرت مكتبة عامة أو خاصة أو مؤسسة ثقافية في مدينتك وبحثت عن إصدارات الجامعة (كتب ومجلات) نادرا ما تجدها، وعرّج على مواقع الجامعات الالكترونية وابحث في كلية الآداب مثلا عن روابط مواقع المؤسسات الثقافية، وعن المؤسسات الفنية في كلية الفنون، وعن المؤسسات الإعلامية في كلية الإعلام، وهلم جرا، أما على المستوى الثقافي فستجد خمولا مثيرا للفضول من الجامعات، فقلما تسمع عن ندوة عامة أو أمسية أدبية أو نقدية أو فنية لمثقفي المدينة من خارج منسوبي الجامعة، فماذا ستخسر الجامعة لو فعلت؟

الجامعات هي الأمل الذي نعلق عليه آمالنا بعد الله في مواكبة المتغيرات العالمية، ومواكبة التغيير الداخلي بفضل رؤية 2030 التي آمل ألا تكون شعارا براقا في أحاديث مسؤولي الجامعات، وملصقا روتينيا على كل حدث أو فعالية، فالمجتمع ما يزال يتحسس دور الجامعات، ويبحث عن برامجها النوعية، وعن أثرها المحمود في السلوك الإداري والإنتاجي والتنظيمي للمؤسسات وللأفراد. وللحديث بقية.

ahmad_helali@