عبدالحليم البراك

حادثة استعجال الصراع في نيوزيلندا!

الاثنين - 18 مارس 2019

Mon - 18 Mar 2019

لا يطيب لأي متطرف من أي دين وأي ملة وأي جهة في العالم إلا استعجال الصراع، ولذلك على أي إنسان يريد أن يكتشف بذرة التطرف في داخله، أن يرى مقدار فرحه بوجود صراع ديني/ ديني، صراع يقتل فيه الإنسان أخاه الإنسان لا لسبب، إلا لسبب عرق أو دين أو اعتقاد، هذا القتل الذي يأخذ جريرة بجريرة أخرى لا تمت لها بصلة، فيقتل المسيحي المتطرف من لا يعرفه ولا يعرف عقله ولا انتماءه إلا لأنه كان تحت قبة مسجد، أو لأنه ولد لأب مسلم وأم مسلمة أو لأن اسمه محمد، والعكس، عندما يأخذ المتطرف من المسلمين أرواح من لا يؤمن باعتقاده في كنيسة أو شارع أو مكان عام بهدف واحد، هو لماذا يعتقد هذا الآخر ما لا أعتقده أنا، ولماذا يؤمن بما لم أؤمن به، رغم أن كليهما ولد لأبوين هما من اختارا لهما طريق الاعتقاد!

حادثة مسجدي نيوزيلندا، وإرهابي مختل، يغيب عقله، لتصحوا بذرة التطرف والقتل في عقله وجسده، ويقتل بدم بارد مسلمين اجتمعوا تحت قبة مسجد للصلاة وسط اختلافات فكرية منطقية، جمعتهم عقائدهم وحبهم لبعضهم، كان هدف القاتل هو استعجال الصراع الديني الآن وليس غدا، ولو سمع بأن متطرفا مسلما انتقم بسبب فعلته لكانت سعادته لا توصف، لأنه شرب لغة الدم والعنف، وبذلك أثبت للعالم أنه على صواب، وأنه حانت ساعة القيامة التي يؤمن بها، وأنه سبب لها أو شرارة اندلاعها، هذه هي ثقافة التطرف المجنون الدموي القاتل، لذلك قد يقود هذا عقلاء الطرفين فقط (وربما نقول عقلاء الأطراف، لأن العقائد متعددة بعدد الناس)، قد يقود هذا عقلاء الأطراف إلى مزيد من الحكمة ورفع صوت الوسطية، وإدانة التطرف وأهله ومناهجه، وإعلاء صوت الإنسان الذي من حقه أن يعيش وسط ما يؤمن به طالما لم يؤذ أحدا ولم يعتد على أحد، ولم ينل من عقائد الناس ومعتقداتهم.

إن قطع الطريق على هؤلاء وأولئك مستعجلي الصراع والتصادم الحتمي المزعوم، هو الخطوة الصحيحة لتصحيح هوية الإنسان من هوية إنسان قاتل دموي يقتل لمجرد الاختلاف، إلى إنسان يختلف ولا يفترق، يتعدد ويتعايش، يؤمن بأن التنوع مصدر قوته لا ضعفه، وأنه جزء من تميز إنسانيته، وإن كان صفة من صفات الحيوان هي أنه إذا اكتفى ترك الافتراس، فإن الإنسان لا يشبع من الافتراس في نزعته الحيوانية، إلا إذا صبغها بصفاته الإنسانية الفردانية عن الحيوان، فإنه عند هذه اللحظة يعلي القيمة الإنسانية المميزة ليجعل الاختلاف وراء ظهره ويعيش ويتعايش مع كل شيء حوله من إنسان وحيوان ونبات، لا يؤذي ولا يسمح لأحد أن يؤذيه!

Halemalbaarrak@