عبدالله الأعرج

مجزرة كرايست تشرش.. كفى أيها الإنسان!

الاحد - 17 مارس 2019

Sun - 17 Mar 2019

لم تكن الكراهية يوما ولن تكون خيارا للتعايش بين البشر من المحيط إلى المحيط.

ولن تكون الدموية والعنف والإرهاب سوى القرار لمن أغلق إنسانيته عن أخيه الإنسان وشرع - بدلا من ذلك - الباب للوحشية التي تؤمن بالعنف كحل والبشاعة والظلم كمصدر لجمال الحياة!

وها هو العالم يقف مذهولا أمام الجريمة النكراء والعمل الإرهابي الآثم الذي أقدم عليه مجموعة من المجرمين في تلك البقعة الوادعة والمطمئنة من العالم وهي دولة نيوزيلندا التي لم يقض مضجعها يوما سوى هذا العمل الغادر والجبان!

المملكة العربية السعودية وكعادتها في كل الملمات والنوائب وبوصفها مركزا ذا ثقل إسلامي واقتصادي وسياسي دولي بادرت بكل تعقل لشجب هذا العمل المنكر على لسان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وبموقف رسمي معلن من خلال وزارة الخارجية أكدت فيه أن المملكة تنبذ الإرهاب بكافة أشكاله، وأن خطابات الكراهية لن تولد سوى مزيد من العنف والضحايا الأبرياء، وأكدت في الوقت نفسه أن الأديان لا تقر مثل هذه البربرية والمجاوزة في إظهار العداوة والحقد بين بني البشر.

ولأن الحدث كان أكبر من أي حديث، فقد جعل العالم بأكمله يقف في حالة وجوم مهولة متنقلا بين إنكار هذا العمل الإرهابي أو الدعاء للشهداء أو التقصي عن الدوافع والأسباب الكامنة وراء ارتكابه أو حتى الاندهاش من أنه لا زال على وجه البسيطة من يمارس هذه الأعمال رغم كثرة التوعية ومحاولات التقارب ومبادرات السلام وعظم التنازلات!

إن ما حدث في Christchurch يدعو العالم من القطب إلى القطب لمعاودة التفكير في مزيد من الحلول الفاعلة لمواجهة الإرهاب الدولي، بل إنه يؤسس لأهمية إيجاد طرق أكثر تأثيرا في مواجهة هذا التوحش بين بني الإنسان.

إن إقرار البشر بأحادية الأصل ووجودهم جميعا لبناء الأرض لتكون بيتا لهم وإيقانهم بأن الأم الأسرة في شرق الأرض تشبه تلك الأسرة في غربها، وآمال تلك العائلة في شمال المعمورة تماما كآمال اختها في جنوبها، سيشكل منطلقا جديدا لخوف الإنسان على أخيه الإنسان، وأن ما يؤلم أحدهم سيساوي تماما في الألم ما يشعر به الآخر.

لقد بات من المؤكد لي أن البحث عن الأمن وبالنتيجة الحصول على الطمأنينة والأمان على وجه الأرض لا يتأتى بفرض وعرض هيمنة قوم على قوم ولا أفضلية جنس بشري على ثان إلا بالتقوى، ومنها الامتناع عن إيذاء البشر، ولا غلبة ثقافة على ثقافة إلا بالرصانة والرجاحة، وأن كل هذا التنوع في الحياة جاء لحكمة من الخالق ليعمر الإنسان هذه الأرض يدا بيد مع أخيه الإنسان بغض النظر عن كل هذا النسيج المتنوع من الثقافات والأعراف والعادات والأيديولوجيات والتوجهات.

ولأن كل هذا الأمر لا يمكن أن يأتي بين عشية وضحاها فإن التعليم والتعليم فقط سيكون له اليد الطولى في كل شبر من الأرض من خلال وجود منهج بمسمى (التعايش الدولي)، بحيث تؤكد مفردات هذا المقرر على سبيل المثال أن رجل الأنديز تماما كعربي الصحراء، وأن نساء الإكوادور كسيدات هنود التبت، يجمعهم أضعاف ما يفرقهم، ويلم شتاتهم أكثر مما يباعد بينهم، حينها سيأتي أقوام لا تشغلهم انتصارات مزعومة ولا أحقاد متوارثة بقدر ما يستحثهم عمل دؤوب لكوكب واحد ومصير ومستقبل مشترك.

اللهم ارحم شهداء مسجدي كرايست تشرش، واشف مصابهم وأعن من يقوم على خدمتهم ومن يبحث عن العدالة ويلاحق المفسدين. اللهم آمين.

dralaaraj@