طلال الحربي

وزارة الثقافة.. لتتفتح ملايين الورود

الاحد - 17 مارس 2019

Sun - 17 Mar 2019

يعد الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين بإنشاء وزارة الثقافة، وفصلها عن وزارة الإعلام، وتعيين الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزيرا لها من الأحداث المهمة على الساحة المحلية.

ويأتي استحداث هذه الوزارة للمرة الأولى في تاريخ المملكة لمواكبة روح العصر وتحقيق التكامل بين مكونات رؤية المملكة 2030 التي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تعمل على دعم إيجاد خيارات ثقافية تتناسب مع الأذواق والفئات كافة.

في تعريفها البسيط، تعني الثقافة المعتقدات والسلوكات والموروثات التي تميز هوية مجتمع ما عن غيره من المجتمعات. وهي تشمل اللغة والعادات والقيم والتقاليد والقوانين والمنتجات والمؤسسات التي تشمل العائلة والتعليم والدين والعمل. وعلى الرغم من أن المجتمع الواحد قد يجتمع على جوانب معينة من هذه المكونات، إلا أن التميز الثقافي يبقى ظاهرا بين طبقات المجتمع.

وتقسم الدراسات الاجتماعية الثقافة إلى أنواع، منها الثقافة الخاصة بالطبقة الراقية، والتي تشير إلى الموسيقى والمسرح والفنون الجميلة، ثم الثقافة الشعبية أو ثقافة الطبقة الوسطى وتتركز على الرياضة والسينما والتلفزيون والموسيقى الشعبية. إلا أن هذه التعريفات ليست قاعدة، ذلك لأن وسائل التواصل والثورة التكنولوجية كسرت كل حواجز المسافات والحدود الجغرافية.

يتميز المجتمع السعودي بتنوع ثقافي فريد ناجم عن التداخل بين البادية والحضر والانفتاح على الثقافات العالمية الأخرى من خلال الاحتكاك المباشر وغير المباشر.

والأرض السعودية، إضافة إلى وجود الحرمين الشريفين التي يحج إليهما الملايين من جنسيات العالم ذات الثقافات المختلفة، تضم أيضا مخزونا من التراث الإنساني النادر غير المعروف للعالم الخارجي.

ما يفهم من إنشاء هذه الوزارة هو أنها سوف تكون الراعي الرسمي للثقافة والإبداع، وتسعى إلى تعزيز الهوية الثقافية السعودية والمحافظة عليها، وتنمية الإنسان السعودي والارتقاء بالمعرفة والمفاهيم وصولا إلى التنمية المجتمعية الشاملة.

في الفترة السابقة من تاريخ المملكة، كان هناك تداخل بين الوزارات والهيئات التي تعمل على تشكيل الوعي والهوية الجمعية الوطنية، أو تلك المسؤولة عن نقل الصورة الحقيقية للمملكة وتطورها، ناهيك عن تعدد الجهات المسؤولة عن الحياة الأدبية والفنية والسياحة والرياضة والترفيه.

مما لا شك فيه أن مهمة هذه الوزارة ووزيرها الشاب ليست مهمة سهلة ولكنها ليست مستحيلة، فهي لن تبدأ من الصفر، بل عليها أن تبني على إنجازات مشهودة أرستها قامات وطنية مبدعة تركت بصماتها على الحياة الثقافية طوال مسيرة المملكة منذ تأسيسها.

لكن المطلوب هو أن تتحرر من الصبغة البيروقراطية للوزارات، وأن تحفر لنفسها استراتيجية مستقلة متحررة.

للنجاح في المهمة - الوصول إلى الناس وتسويق المنتج والارتقاء بالمفاهيم - ينبغي على أي جهة، سواء أكانت وزارة أو مؤسسة أو حتى شركة، أن تعرف جمهورها المستهدف لتتمكن من إيصال رسالتها إليه بعد إجراء بحوث ودراسات واستخدام أدوات ووسائل مدروسة بعناية شديدة. وهذا ما يتطلب معرفة كيفية الوصول إلى الناس وإلى الفضاءات العالمية.

نتمنى أن تبدأ الوزارة من حيث انتهى الآخرون، وأن تبني شراكات دولية لنقل الخبرات وتوطينها وأن تستفيد من التجربة الأمريكية، حيث لا يوجد فيها وزارة للثقافة، وإنما مؤسسات إنتاج ربحية خاصة قائمة بذاتها. وكذلك تجربة فرنسا وهي من الدول الغربية القليلة التي توجد فيها وزارة للثقافة، والتي اتفقنا معها لتشكيل أوركسترا وطنية وإنشاء دار للأوبرا.

إن التركيز على المحتوى المحلي والقواسم المشتركة والإرث الثقافي يجب أن يكون هادفا وحداثيا بعيدا عن الارتجالية والتكرار الممل والصور النمطية، وهذا ما يشكل تحديا ودعوة مفتوحة لأصحاب الطاقات والأفكار لعرض نتاجاتهم.

هذا يعني التخلي عن الخوف المسبق من الآخر والمختلف. وإذا كنا نريد نقل الثقافة السعودية إلى الخارج، يجب رعاية المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع الوطني المعنية بالثقافة والفنون والأندية الثقافية والأدبية وعدم فرض الوصاية عليها.

ما نتوقعه من هذه الوزارة هو أن تكون القوة الناعمة ورسولنا إلى العالم. ومن أجل أن تنجح في الخارج عليها أن تنجح في الداخل أولا من خلال حماية حرية الإبداع والفكر الأصيل الهادف والمسؤول وألا تقيدها إذا كنا نريد أن تتفتح في بلادنا ملايين الورود!

@alharbit1