ياسر عمر سندي

«اللاء والعزه».. أصنام هذه الأيام

الأربعاء - 13 مارس 2019

Wed - 13 Mar 2019

تعددت الشخصيات والأصل واحد. خلقنا البارئ المصور من نفس واحدة، وجمعنا من طين متفرق، ووزعنا على تربة متنوعة من جميع الألوان والأجناس والأشكال، فآدم عليه السلام أول مخلوق بشري أبدعه الله وصوره وأشهد ملائكته على خلقه تقديرا، وأمرهم بالسجود تكريما، ورزقه ميزات وسمات شخصية عديدة ليتواءم ويتكامل البشر ويظهر الخير والشر في بنيه إلى يوم يبعثون. قال تعالى «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها» سورة الشمس، الآية 7-8. فهذه النفس العجيبة والغريبة أكرمها الله عز وجل بنعمة الاختيار، إما الشكر وإما الكفر، «إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا» سورة الإنسان، الآية 3، وابتلاها أيضا بالثواب والعقاب. فالنفس دوما في صراع بسبب تركيبتها المعقدة التي تفرز سلوكيات تتأرجح بين الكره والحب، والشد والجذب، والبعد والقرب.

ومن السمات السلوكية السلبية الأكثر تأثيرا على البشر بين بعضهم البعض سلوك التكبر بحجة الاعتزاز والتعالي، وما يصاحبه من الرفض لآراء الآخرين ومقترحاتهم بمتلازمة «لا» على كل صغيرة وكبيرة من منطلق منهجية «لا أريكم إلا ما أرى»، و«رأيي صواب يحتمل الصواب أيضا». وبين التعالي والرفض يبرز التحجر السلوكي لنزعة شيطانية من إبليس اللعين عندما أمره الله بالسجود لآدم فأعرض تكبرا ورفضا، ومن يتصف بـ «اللاء والعزه» أعتبره شخصا صنما تأخذه العزة بالإثم لمجرد تسجيل موقف العناد والإثبات لإقصاء الغير والتحقير منهم، توهما بأن تقبل فكر الآخر يعتبر انتقاصا في شخصيته وقدره الذي وضعه كإطار وقالب سلبي.

ويتمثل ذلك السلوك في عدة شخصيات أجدها في المجتمع سأوردها وأناقشها تباعا.

من أصحاب هذا السلوك الذي يبغضه الله أولا، ويمقته خلق الله، تجدهم غالبا في شخصيات مهمة كالزوج والأب والأخ والمدير والصديق، وهم الجانب المؤثر في التعاملات المجتمعية المباشرة، وهم:

الزوج الصنم المتحجر في أسرته، سنجد الرفض والاستعلاء في تعامله مع زوجته، والأب مع أبنائه، فهو ينظر إلى ما يريد أن يفعله ولا يأذن إلا لما يود أن يقوله أو يسمعه، ظنا منه أن ذلك حق مكتسب يمتلكه لتوجيه دفة الأسرة وقيادتها، وأن القوامة تعني فرض السيطرة وتضييق الخناق وعدم الوفاق وإغلاق الآذان و«تنشية» الأبدان وعدم الإذعان، فينتج عن ذلك زوجة محطمة ومكتئبة، وأبناء مهمشون حاقدون، أو ربما استمروا في مسيرة أبيهم الذي علمهم التعالي والرفض لتتكرر المأساة مستقبلا.

الأخ الصنم المنفر المسؤول في عائلته إذا تولى رعاية أبيه وأمه وإخوته إذا اتصف بـ «لا» النافية للفكر والعمل والنفس المتغطرسة بالتحكم الأهوج فلا نقاش هناك يتم، ولا وصال، ولا مجلس يلم، ولا سؤال. لا يدع المجال لسماع رأي إخوته، ولا يتنازل لمرضاة أمه أو أبيه، فكيف تصبح العائلة؟ حتما سيتمنون زواله وبعده والعيش بسلام بعده.

المدير الصنم المتضجر على المستوى العملي تجده لا يؤمن بسياسة الباب المفتوح، ولا يعمل على الاستفادة من عقليات الموظفين، ولا يفتح المجال لهم لتلاقح الأفكار وتنمية وتحسين العمل، بل وكلما جاءت فكرة تصدى لها بلا النافية للنجاح، ويجاوبهم بلسان الحال أو المقال «أنا مديركم الأعلى».

الصديق الصنم المغتر، فتجد واحدا من أصدقائك لديه مخالة للفكر والتواء للرأي، وظيفته بين أصدقائه إجادة تصعير الخد والبعد، لا يقبل النصيحة، ويتعمد للغير الفضيحة، وشعاره الملازم لقوله لا ثم لا ثم لا، فمعاشرته أليمة والبعد عنه غنيمة.

وفي هذه الأيام للأسف تتمثل شخصيات «الأصنام المتحجرة» وتتعايش بيننا، حيث يتوجب علينا تكسيرها بالوعي المجتمعي والردع القانوني، والتي تشكلت من خلال موروثات وسلوكيات تربوية سلبية تم تثبيتها منذ الصغر بأن العزة للشخص تكمن في رسم صورة الغطرسة والرفض للآخرين، اعتقادا بأن ذلك يمنحهم الكثير من الهيبة والحضور في تعاطيهم مع الغير، وهي في الحقيقة صفات الشياطين أكسبوها لأتباعهم الهالكين، مثل فرعون وأبي لهب وغيرهما، أذكرهم بقول سيد البشر عليه الصلاة والسلام «حُرم على النار كل هين لين سهل، قريب من الناس».

Yos123Omar@