محمد حطحوط

إغلاق المحلات وقت الصلاة!

السبت - 09 مارس 2019

Sat - 09 Mar 2019

تصلكم هذه الأحرف من مدينة مندوزا في غرب الأرجنتين متاخمة لجبال الآنديز التي تفصلها عن دولة تشيلي. هذه المدينة مختلفة عن باقي المدن حول العالم، حيث تفتح المحلات التجارية من التاسعة صباحا حتى الواحدة ظهرا، ثم تدخل فترة ما يعرف محليا بالسيستا، ويقصد بها القيلولة. تمتد فترة القيلولة حتى الساعة الخامسة عصرا، وبعدها تعود الحياة مجددا في أنحاء المدينة، من الخامسة مساء حتى العاشرة.

السيستا الأرجنتينية مبدأ هام لمن يعيش هنا في مندوزا، لأن هذه الفترة الذهبية ليست فقط للنوم، وإنما لسبب أهم وهو الاجتماع مع الأهل والأصدقاء، وتبادل أطراف الحديث مع من تحب. نظام المدينة الهادئ أصبح جاذبا للسياح حول العالم - يزورها مليون ونصف المليون سائح سنويا - لأنها تشتهر بمزارع العنب التي لا تنتهي، جنبا إلى جنب مع مزارع الزيتون، حيث تصدر هذه المدينة للعالم زيت زيتون فاخر بسعر في متناول اليد. مزارع العنب أتى بها المهاجرون الإسبان والإيطاليون والفرنسيون في بداية القرن الماضي، وأشجار الزيتون أتى بها - أظن - العرب من الشام مع نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث أخبرني سائق التاكسي أن 10 بالمئة من الشعب الأرجنتيني أصوله عربية، والتقيت بشباب في عمر الزهور أسماؤهم عربية صرفة مثل خوزيه مصطفى أو فيكتور عرب، حيث يذكر جيدا جده المسلم، ولكن ومع كل أسف انقطعت أواصر التواصل، وذاب الجيل الثاني تماما في البيئة الجديدة، وأصبح مسيحيا تماما!

السيستا تمثل شعبا بمصطلحنا السعودي (شمالي) ويقصد بها وسيع البال، والذي يأخذ الدنيا بروقان تام. من الطبيعي جدا في الأرجنتين - أو مندوزا بصفة أدق - أن تحضر لمطعم وتنتظر نصف ساعة ولم يأتك النادل ليأخذ طلبك! وفوق الطبيعي أن يصل انتظارك لساعة حتى يصلك اللحم البقري المشوي الفاخر على الطاولة، ثم أضف لها ساعة أخرى للحلى والحساب! ولهذا فعليا يستغرف الغداء ساعتين كحد أدنى، وثلاث ساعات في المعدل الطبيعي، لأن الهدف ليس الأكل، وإنما الاجتماع وتبادل أطراف الحديث، وتسمى محليا (الكسل المنجز productive laziness).

إقفال المحلات لخمس ساعات يوميا أمر عادي جدا ما دامت ثقافة المجتمع تدعمه وتريده، وأصبح مع الوقت ميزة لمدينة مندوزا عن غيرها، ولهذا من يطالب بعدم إقفال المحلات وقت الصلاة، أظن هذا أمرا يميز السعودية عن باقي دول العالم، لو أخذنا الموضوع من ناحية تسويقية بحتة، بغض النظر عن النقاش الديني حولها. الاعتزاز بدينك وهويتك وثقافتك أمر هام لأنه يمنحك ميزة تنافسية ووجهة مختلفة عن باقي الوجهات! في علم التسويق السياحي هناك خياران: فوق المسرح (إخراج الوجه المشرق فقط بالمدينة)، وخلف المسرح (الوجه الحقيقي لحياة الناس). ويقصد بها أن السائح غالبا يعلم أن ما يقدم له هو ما فوق المسرح، ولكن الأبحاث تشير إلى أن التجربة الحقيقية تحدث لأي سائح عندما يختلط بما خلف المسرح، ويعيش تفاصيل المجتمع على سجيته وعاداته وتقاليده! من الخطأ أن نعيد هيكل المجتمع ليصبح فوق المسرح، بينما التميز الحقيقي لتجربة الزائر أن يرى المسرح وما خلفه!

mhathut@