عبدالحليم البراك

أسماء الأعلام في مهب الشارع!

الاثنين - 25 فبراير 2019

Mon - 25 Feb 2019

للرجال الأعلام هيبة، لكن هيبتهم راحت في مهب الشارع، وصارت الأسماء العظيمة مرتبطة بأشياء عادية للغاية، فأصبح هناك اختلاط كبير بين الشاعر الأموي الشهير جرير، وبين مكتبة تجارية، فإن كان العذر بأن الشعر أصل ثقافة العرب والمكتبة بيت الثقافة، فإنك لا تجد مبررا أن تجد خياطا يقبع في وسط الرياض واسمه خياط جرير، وعندما تسأل العامل فيه: هل تعرف الشاعر جرير بن عطية الكلبي، قال لك بلغة آسيوية «ما فيه معلوم»، والأمر لم يتوقف على الأموي الشهير جرير، بل انسحب أيضا على صاحبه الأموي الآخر، وهو الفرزدق الذي تم استخدام اسمه كحلاق! ولمّا يسألك أحدهم أين حلقت ذقنك؟ تقول له: عند الفرزدق! فسبحان الله، ولك الله يا فرزدق، فمن الشعر الشهير في العصر الأموي الخالد، إلى الحلاقة الرجالية في عصرنا الحالي!

أما أحمد بن الحسين أبوالطيب المتنبي الشاعر العباسي الشهير الذي قال بيته الشهير: الخيل والليل والبيداء تعرفني، والسيف والرمح والقرطاس والقلم، فلا أتوقع أن يخطر له على بال أن يصبح اسمه على لوحة بقالة (بقالة المتنبي!)، ولم يسلم الحسن بن هانئ الحكمي العباسي الشهير بأبي نواس، ليتحول اسمه الشهير إلى بوفيه أبو نواس، ولو علم بذلك لترك الشعر وهجر الشهرة، وعاد للزهد مرة أخرى!

حتى صلاح الدين الذي إن قيل اسمه ارتبط بصلاح الدين الأيوبي الفاتح الشهير، فإنه يقترن عندنا بفندق، أو شقق مفروشة، بينما كان في السابق يقترن بالمعارك والغزوات، ولا يقل لي أحدهم إن لكل مكان غزوته!

والأمر لم ينته بالشعراء والأعلام فحسب، بل حتى عدم تطابق النشاط مع المسمى، فالأرز الحار الذي يملأ البطون تحول علامته الشهيرة إلى (أرز الرومانسية) فالعلاقة مجهولة بين الأرز والرومانسية، ولا يستبعد أن يتم الربط بين العشق ولحم الحاشي، فنرى (مضغوط حاشي العشاق، أو مندي قواعد العشق الأربعون!) وأصبح (للكرامة حلويات)، و(للشهامة مقلوبة) أو حتى للمدن، فالطائف التي اقترن اسمها بالورد الطائفي الشهير، عادت مرة أخرى ليقرن اسمها بـ (الفول!).

هذا على مستوى، أما على مستوى آخر، فإن التناقض حاضر وبقوة، فالأسواق الكبرى (المول) تلك الكتل الاسمنتية التي لا حياة فيها أصبحت إما واحة مول، أو بساتين مول، وليتهم حولوا المولات لبساتين وواحات خضراء حقيقية، إذن لجَمَع الناس بين التسوق والتنزه بالحدائق، فأصبحت المولات رئة تتنفس من خلالها المدينة، بل حدث العكس، حيث تم تكريس مزيد من الاسفلت والاسمنت في مبان صامتة جدا.

الموضوع شائك للغاية، لا تستطيع أن تمنع الناس من أن يسموا ما يشاؤون، أو يتحكموا بأسماء اختاروها، لكن الرهان على وعي الناس أهم من الرهان على المنع والسماح، وأظن أن غيري لن يتعب كثيرا في أن يستحضر مزيدا من الأعلام الذين تم استخدام أسمائهم في غير ما يليق بها، أو أماكن تتناقض مع طبائعها.

Halemalbaarrak@