عبدالله المزهر

وما أنا بـ «المكذب» فيك قولا!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 21 فبراير 2019

Thu - 21 Feb 2019

تقول غادة السمان ـ التي لم أراسلها بالمناسبة «إلى أين تذهب الأغاني بعد أن نسمعها؟ إلى أين تمضي كلمات الحب بعد أن نقولها؟ إلى أين يذهب لهب الشمعة بعد احتراقها؟»، إضافة إلى عدد من الأسئلة المشابهة والتي الهدف منها أنها قد تجد حبيبها ـ وأعيد التأكيد بأني لم أراسلها ـ « قل لي إلى أين، كي أنتظرك هناك يا حبيبي».

والحقيقة أنها لم تسأل السؤال الذي لا يقل أهمية عن الأغنيات والشموع وكلمات الحب، كان يجب أن تسأل: إلى أين تذهب داعش بعد أن تفككها أمريكا؟

ربما لو أن أمريكا هي من كتب هذه الكلمات لكان هذا هو السؤال الأول، حتى تعرف أين تنتظر داعش، فالناس ـ العذال تحديدا ـ لا ينفكون يتحدثون عن علاقة حب تدور أحداثها في الخفاء بين الأمريكان والدواعش. والحقيقة أني أحب هذا النوع من الحب، لا أميل إلى العلاقات الغرامية المبنية على «الغزل»، ليس لأن الغزل سيئ لكنه مجرد كلمات تختفي ولا يعرف أحد أين تذهب بعد أن تقال. أميل إلى الحب الذي يكون إثباته بالأفعال، الحب العملي هو الذي يظهر حقيقة ما في القلوب.

كلا الطرفين ينفون هذه العلاقة ويظهران العداء لبعضهما البعض، لكن كل ما يفعله أحدهما وأيا كانت الكلمات المستخدمة والعبارات الكلامية التي يوجهانها لبعضهما البعض محصلته النهائية هي خدمة الآخر، وإن هذا لعمري لهو «الحب الحئيئي».

الذين يحبون أمريكا ـ وأنا أحدهم ـ يغالطون فيها سمعهم وتبصر فيها غير الشك أعينهم، والمؤكد يقينا أن «حسن الظن» أشقاهم.

والأمر ليس متعلقا فقط بمحبي أمريكا، فحتى عشاق داعش ومشتقاتها ومنتجاتها لا يريدون تصديق مثل هذه الشكوك، فهم أحبوها كرها في أمريكا.

ولعلي أقدم نصائح للطرفين من خلال تجاربي العاطفية الكثيرة. صحيح أنها تجارب فاشلة لكنها تجارب مفيدة، لأن الفشل مثل الطعام الصحي مفيد وغير مستساغ.

النصيحة الأولى: الذي يبالغ في شتمك بمناسبة وبدون، يحاول أن يقاوم إظهار محبته. يحاول إخفاء معالم الحب بكثير من العبارات القاسية، لذلك فقد يكون من الملائم تخفيف حدة الكلمات حتى لا يكون الحب أوضح ما فيها.

النصيحة الثانية: الذي يبالغ في مدحك بمناسبة وبدون، يحاول أن يقاوم إظهار كراهيته لك، يحاول إخفاء معالم الكراهية بكثير من عبارات الثناء الممجوج والمبالغ فيه. وقد يكون مناسبا عدم المبالغة في كلمات الثناء حتى لا تكون الكراهية هي أوضح ما فيها.

صحيح أن النصيحة الثانية لا تخصكم، ولكني وجدت أنه من المناسب إيرادها لأنها تشبه الأولى، وقد يستفيد منها غيركم، نفع الله بي وبتجاربي الفاشلة.

وعلى أي حال..

أمريكا مثل غادة، سيأتي يوم وتنشر كل رسائل عشاقها، حتى أولئك الذين لم تبد عليهم علامات العشق، ثم إني لست متأكدا أن غادة السمان ـ التي لم أراسلها ـ هي صاحبة الكلمات التي أوردتها في أول المقال، لكن ذلك ليس مشكلة كبيرة، فأنا لست متأكدا من أي شيء، سوى أن الحياة قصيرة، وعابرة ولا تؤخذ على محمل الجد.

agrni@