شاكر أبوطالب

المتلاعبون بالأرقام!

الاحد - 17 فبراير 2019

Sun - 17 Feb 2019

مبهجة رؤية وطني الطموحة لبناء مجتمع حيوي وصناعة اقتصاد مزدهر بحلول عام 2030، ومحفزة تلك البرامج الاستراتيجية والمشاريع التنموية التي أطلقت منذ 2016، ومشجعة هي الإنجازات التي حملتها السنوات الثلاث الماضية؛ في ترجمة حقيقية لجهود الحكومة الرشيدة، بقيادة حكيمة من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، يحفظهما الله، للنهوض بالمملكة العربية السعودية إلى صف الدول المتقدمة، ونترقب بعون الله وتوفيقه المزيد منها في قادم الأعوام.

ومبهرة لغة الأرقام والبيانات التي تصطف في سياق المقارنة على خط زمني محدد، لتبرز التقدم المحرز على أرض الواقع، والنمو المنجز للاقتصاد الوطني. ومدهشة صيغ المقاربة بين تاريخ وإرث الزمن الماضي، وعوامل قوة الوقت الراهن، وتعقيد تحديات المستقبل المنظور، واستثمار كل ما سبق بتحويله فرصا للتنمية الوطنية المستدامة.

في كل أسبوع تقريبا نشهد تحقيق مكتسبات جديدة تضاف إلى رصيد إنجازاتنا الوطنية، تجسيدا لكلمات قائد التحول السعودي، الشغوف بالرقي والإنجاز، أميرنا الشاب محمد بن سلمان، وفقه الله، فهو أعلن أكثر من مرة أن «سقف طموحنا مرتفع» و«طموحنا عنان السماء»، والواقع المعاش يوثق أثر الخطوات التنموية الوطنية في شتى المجالات داخليا، والعالم يشهد إنجازاته الممتدة بين شرق الأرض وغربها.

وأكثر ما أخشاه على الرؤية الوطنية الواعدة، التلاعب بالأرقام والمعلومات، خاصة من قبل بعض الوكالات الاستشارية ومؤسسات صناعة المحتوى والعلاقات العامة التي تبيع خدماتها للوزارات والهيئات والبرامج الحكومية، فتبالغ في محتوى الفعاليات والمناسبات التي تنفذها، أو تزيد في مضمون البرامج والمشاريع المستقبلية، مستغلة حرص المسؤول على النجاح في مهمته. فأحيانا تظهر تصريحات إعلامية تقفز فوق الواقع والمنطق، فمنها ما يقترب من الخيال، ومنها ما يتقن العزف على وتر العاطفة، والمراهنة على طول الزمن المستهدف لتحقيق الغاية، مستندة في ذلك إلى ضعف الذاكرة أمام الكم اليومي والضخم من المعلومات.

هؤلاء يبرعون في قراءة المزاج العام، والاقتراب من أفكار القادة، والقدرة على التأثير في الجمهور، فيستخدمون أحدث تقنيات وأساليب العرض الرقمية والمؤثرات البصرية والأفلام القصيرة، بتوظيف ذكي للأرقام والمعلومات والبيانات، واستخدام مدهش للغة وصيغ (أفعل) التفضيل، وتصميم الرسوم والإنفوغرافيك، وهذه هي بضاعة الجهات الاستشارية لمزيد من الكسب المادي وتجديد عقود خدماتهم، مستثمرين رغبة المسؤول الطامح للترقي الوظيفي والصعود الإداري، فيشترون آمالنا التي حتما ستبلغهم غاياتهم وتقتل أحلامنا.

والحذر كل الحذر من المتسلقين على أحلام الأفراد والمجتمع، فبعضهم يسوقون أنفسهم بأنهم مختصون بالابتكار والإبداع، أو مهتمون بإدارة التطوير والتغيير، وهم للمبالغة أقرب. فلا هموم تشغلهم إلا إبراز أنفسهم إعلاميا واجتماعيا، والحديث عن خططهم لا عن إنجازاتهم، فيستغلون كل مناسبة لإطالة أعناقهم أمام عدسات الكاميرا، والدخول عنوة في المحتوى الإعلامي، ترويجا لقدراتهم المتواضعة والمتوارية خلف أفكار ومبادرات مصممة للإقناع وليس للإنجاز.

والأمل معقود على المنظومة الرقابية الوطنية، بما في ذلك وسائل الإعلام السعودية، لرصد تلك الأرقام والمعلومات والبيانات المضللة وتوثيقها، ومتابعتها والمساءلة عنها، وأخص بالتحديد أحدثها تأسيسا، وهو ‫المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة «أداء»، الذي ‬تتمثل مهمته ‫الأساسية في قیاس مؤشرات الأداء المعتمدة للأجھزة العامة لدعم كفایتھا وفاعلیتھا، وإصدار تقاریر دوریة عن تحقيق الأھداف الاستراتیجیة لكل جھة، وحالة مؤشرات الأداء، ومدى تقدم المبادرات والبرامج نحو تحقیق رؤیة المملكة 2030، وقياس رضا المستفيدين من الخدمات الحكومية. وقبل ذلك وبعده، فإن الإيمان بالرؤية لا يعدله شيء، إلا تحقيقها كاملة وقبل الوقت المحدد بمشيئة الله وتوفيقه.