عبدالله الأعرج

فلنفسح للتعليم العصري مكانا!

الاحد - 17 فبراير 2019

Sun - 17 Feb 2019

يقضي أولادنا وبناتنا 12 عاما من حياتهم في مدارس التعليم العام، تشكل بقوة مستقبل حياتهم سيكولوجيا، ويخضع فيها طالب المرحلة الابتدائية غالبا لبيئة تعليمية مدرسية تشابه إن لم تطابق بيئة رفاقه في المرحلة الثانوية.

المباني ووسائل التعليم نفسها، وخطاب للأطفال يشبه مناقشة الكبار. يحمل طالب الصف الأول الابتدائي حقيبة (الباك باك) على ظهره الغض تماما كما يحملها طالب الصف الثالث ثانوي. حصص الرياضة في الغالب عبارة عن كرة قدم وإفطار الأطفال كإفطار الشباب، العلوم هنا وهناك تدرس في الحجرة الدراسية ما خلا زيارات متقطعة تستدعي انتقال الطالب للمعمل ليرى كيف أن نقطة الحبر تطفو على سطح الماء.

وأما اللغة الإنجليزية فترتل كلماتها بالترديد drilling حتى يأذن الله بالتصاقها في ذهن الطالب لبضعة أيام مجردة من السياق ومفصولة عن المقام والمقال!

اليوم الدراسي أيضا يقولب بذات الطريقة في المرحلتين الابتدائية والثانوية، حصص متتالية تعقبها فروض وواجبات منزلية مستحقة الدفع للمعلم أو المعلمة صبيحة اليوم التالي، منها ما يلزم تذكره عن ظهر قلب ومنها ما يستوجب الاعتكاف والعزلة عن مباهج الحياة الطفولية للوفاء بها قبل حلول اليوم الذي حدد لتسليمها.

ثم تأتي فاكهة التعلم والتعليم: الأنشطة والمسابقات الكتابية، وهي غالبا تحمل مسمى (بحوث) أو ما شابه، لكنها لا تحمل من توقيع بعض الطلاب أو الطالبات في الغالب سوى أسمائهم ممهورة أسفل الصحيفة العريضة أو أوراق الـ A4 وذلك مقابل مبلغ من المال يدفع لمكاتب التصوير أو محلات الخط والرسم!

ثم نجتمع في المجالس فتكون حلوى الحديث قذف زماننا المعاصر الذي جعل جيل الألفية الجديدة أقل تحصيلا من جيل الزمن الجميل، ونتوسع في تذكر الأمجاد لطلاب الأمس مستشهدين بجمال خطوطهم ودقة إملائهم واحترامهم لمعلميهم! وما علمنا أن الزمان هو الزمان وأن الإنسان هو الإنسان!

ولأننا نعلم (إنما العلم بالتعلم) فإن التعليم سيكون له اليد الطولى، خاصة حين نُعلَّم بالطرق العصرية الصحيحة، وفي البيئات التعليمية المحفزة، وعلى أيدي أساتذتنا المهرة وتحت إدارة قيادات التعليم الخبيرة والقادرة.

سيتعلم ابني وابنك حينما تكون أجمل ساعات حياته السادسة صباحا يوم الأحد لأنه سيذهب إلى مكان أجمل من بيته وأبهج من غرفته يسمى «المدرسة» وستكون هذه الابتسامة الصباحية أبلغ من ألف كلمة وأصدق من أي قسم وأقصر طريق إلى إظهار نجاح المدرسة بكامل مكوناتها المادية والمعنوية!

وستتعلم ابنتي وابنتك حينما يكون فناء المدرسة مزرعة غناء تجلس الصغيرة تحت ظلال أشجارها وتجمع منها أوراق الشجر وترسم من وحيها أشكالا مختلفة من الفراشات لمعلمة العلوم، وتحصي عدد المقاعد لمعلمة الرياضيات وتعدد مخلوقات الله من سحاب وتراب وإنسان وطائر لمعلمة الدين!

سيتعلم ابني وابنتك قطعا حينما يأتون إلى المدرسة حاملين كتابا بيد وفكرا ناقدا صحيا بيد أخرى، فالمعلم منفتح على النقد البناء والطالب يبحث عن المعرفة والمعلم ليس سوى مسهل للتعلم ومجيب عن الأسئلة، بينما الطالب ذاتي التعلم ومنفتح أيضا على العمل مع رفاقه بروح الفريق.

سيتعلم ابني وابنتك حينما يترك المجال لهم للمشاركة في صنع المحتوى التعليمي، واختيار الأنشطة الملائمة، وإحضار مصادر التعلم المفضلة، ومشاهدة البرامج التعليمية والأفلام الوثائقية الهادفة، وسيتعلمون حينما يكون طفل الابتدائية في غاية الدافعية وهو يرى المدرسة تنصبه مديرا أو معلما أو مراقبا أو إداريا أو مساعدا لها ذات صباح.

سيتعلمون وسيبدعون، بل وسيبهرون، فليس لدى غيرهم من الأطفال في مشارق الأرض ومغاربها أكثر مما يملكون. فقط افسحوا لهم المجال ليكونوا شركاء حقيقيين في تعليم عصري، وحين تفعلون فأنتم ونحن وهم سنكون على موعد من أجمل المواعيد مع هؤلاء المبدعين! فهل يا ترى ستفعلون؟