عبدالغني القش

لجان إصلاح ذات البين.. لمجتمع متين!

الجمعة - 15 فبراير 2019

Fri - 15 Feb 2019

لا أعتقد أنني بحاجة للتذكير بأهمية إصلاح ذات البين، وفضل هذا العمل الجليل، وأثره الكبير على المجتمع، وما يمثله من مكانة يفترض منحها العناية والاهتمام، فبها يتم إنهاء القضايا، ومن خلالها تعود المياه لمجاريها بين الأسر وربما القبائل، في صورة تمثل سماحة هذا الدين ونهجه القويم.

إن هذه اللجان تعكس صورة رائعة عن الطريقة التي سنها شرعنا المطهر في تقريب وجهات النظر، والبعد عن التشنج والتمسك بالرأي، من خلال فضيلة الصلح الذي وصفه الباري عز وجل بأنه خير «والصلح خير».

وهذه اللجان تعتمد على مقدرة القائمين عليها وتمكنهم من تقريب وجهات النظر وتحويل الخلاف إلى وفاق، والجمع بدلا من الشتات، والألفة بديلا للفرقة؛ بفكر راق وبذل سخي.

ومن هنا فإن على المجتمع بكل مؤسساته وجهاته أن يدعم هذه اللجان بكل الوسائل وبشتى السبل لتقوم بما أوكل إليها من مهام.

وبأريحيته المعهودة قام الصديق الأستاذ حاتم قاضي وكيل وزارة الحج سابقا رئيس لجنة إصلاح ذات البين بمكة المكرمة بإهدائي تقريرا عن أعمال اللجنة ونسخا من مجلة «تسامح» الصادرة عن اللجنة، وقد أعجبت كثيرا بهذه المهنية العالية، فالمرء يريد على أرض الواقع مثل هذه الأمور، لتدخل القناعة لنفوس الداعمين، بل ولكل تلك النفوس المتطلعة لإصلاح ذات البين، إحياء للسنة؛ فالعفو والتسامح سمتان للمجتمع المسلم فوق كل أرض وتحت كل سماء.

ومن الجميل أن يكون هناك دوائر تعمل اللجنة من خلالها لحل القضايا، بتقسيم وتعامل في غاية الرقي، وقد لفت الأنظار وجود وحدة للرعاية اللاحقة، مما يعني أن اللجنة تتابع القضية حتى بعد انتهائها لتسوية الخلاف الذي ربما يطرأ، فتواصل عملها لتنتهي الشحناء بشكل كامل.

إن من يطلع على رؤية ورسالة وقيم اللجنة وأهدافها يدرك مدى الخيرية التي يتمتع بها هذا المجتمع ومحبته الشديدة لقيمة الإصلاح، وقد وفقت اللجنة في تسمية مجلتها الدورية بـ «تسامح»، كإحياء لهذه القيمة التي حثنا عليها ديننا قبل كل شيء، والتي من شأنها أن تجعل المجتمع أنموذجا يحتذى ومثالا يقتفى؛ فالمعاداة لا تعرف له طريقا.

وعودة إلى مسألة دعم لجان إصلاح ذات البين، فإن على إعلامنا مسؤولية كبيرة تكمن في إبراز مثل هذه اللجان للعالم أجمع؛ ليعرف هذه القيمة ويتعرف على جزئية هامة من دين الإسلام والمجتمعات المسلمة، وما تعتمد عليه في تسوية قضاياها من خلال إصلاح المتخاصمين والتسامح مع أنفسهم وحل قضاياهم بشكل ودي، وإبراز عدد القضايا والجهود التي بذلت.

وربما يتصور البعض أن مثل هذه اللجان يتعلق عملها بقضايا الطلاق والخلافات الأسرية فقط - وهذا نتيجة للضعف الإعلامي - لأن عمل مثل هذه اللجنة يشمل كل القضايا المجتمعية، فالصلح قيمة كبيرة يمكن من خلاله حل كل خلاف مهما كان حجمه أو نوعه.

كما أن على مؤسسات المجتمع دعم لجان إصلاح ذات البين من خلال الإسهام بأعمالها؛ ماديا ومعنويا، فهي ربما تقل فاعليتها في ظل غياب الدعم المالي، فالمال عصب الحياة ولا يمكن للجهود أن تتكلل بالنجاح في حال غياب المقدرات المالية، ويتقلص أداؤها في غياب البرامج ونقص الكادر، والمطلع على التقرير يجد أن اللجنة لديها مشاركات في برامج تدريبية، وبرنامج للزيارات، مما يستوجب دعمها بقوة وعلى المستويين المؤسساتي والفردي.

إن لجان إصلاح ذات البين تعكس صورة من صور التسامح في ديننا، كما أنها تمثل قيمة مجتمعية راقية يفترض إحياؤها في النفوس، وتأصيلها حتى في مناهجنا الدراسة؛ لينشأ الجيل على مثل هذه القيم الإنسانية التي ترتقي بتعامله وتعاطيه مع قضاياه، فهل ندعم جميعا لجان إصلاح ذات البين؟

[email protected]