عبدالله الأعرج

أدوار المنظمات.. لا سنة بدون فرض!

الاحد - 10 فبراير 2019

Sun - 10 Feb 2019

حينما استخلف الله بني آدم على وجه البسيطة سهل لهم السعي في مناكبها ودلهم على ما يتوجب عليهم فعله لتحقيق الاحتياجات الكبرى التي تضمن بقاءهم وتحقق لهم استمرار الجنس البشري، وعلى رأس هذا التذليل جاء العمل كركن أساسي لديمومة الحياة وتعاقب الأجيال.

ولأن البشر في معاركهم مع الحياة يقومون بأدوار رئيسية، فهذا معلم وذاك طبيب وثالث مهندس إنشائي ورابع تاجر وخامس قاض يفصل بين الناس، لأجل كل هذا وجد هذا التنوع الحياتي ليغطي كل أطياف الاحتياج البشري وقامت المؤسسات والمنظمات لتباشر أدوارها في خدمة الإنسان واستكمال مشيئة الله في إعمار هذا الجزء من الكون إلى أن يحين الوقت المعلوم.

ولما كانت الأدوار مقسمة بين هذه المنظمات والأغراض محددة فطريا وتنظيميا، كان من الضروري أن تقوم كل واحدة منها بعملها الأساسي على أكمل وجه، قبل أن تنصرف إلى أدوار ثانوية تأخذها بعيدا عن دورها وتمنع التشابك والتقاطع غير الصحي الذي يفضي إلى نتائج متواضعة، وربما يتعدى ذلك إلى إرباك الأدوار الطبيعية واختلال التوازنات ليخرج المنتج في نهاية المطاف هزيلا شاحبا لا يفي بالغرض ولا يحقق المقصود!

وحينما نقوم بإسقاط هذه الفكرة على بعض مجتمعات العمل المعاصر، فإننا سنقف مشدوهين أمام بعض النماذج التي تستطيل أدوارها في كل اتجاه في حيز الأعمال الثانوية على حساب الأدوار الرئيسية للمنظمة، بل إن بعض الأدوار الثانوية تأتي على رأس قائمة الاهتمام لتزيح مسلمات الدور الأصلي لمنظمة ما، مما ينتج عنه قصور حاد في الخدمة واختلال في الإنجاز وتعطيل للمصالح وغياب حالة الرضا بين المستفيدين من ذلك الجهاز.

ولكي يكون الموضوع في بحر العموميات فإنه لا يمكن أن يكون الهدف الأول لأي منظمة طبية العوائد الاقتصادية ولا أن تكون المبادرات والمؤتمرات والمشاركات في هذا الاتجاه هدفا لها. وكذلك فإنه لن يكون من المقبول انشغال جهات أكاديمية بالجانب الإعلامي على حساب الجهود التعليمية والتدريبية. ولن يستسيغ أي متأمل انصراف منظمات صناعية إلى النواحي التراثية أو الفنية دون الاهتمام بعملها الرئيسي.

ولكي نرسم الخط الفاصل بين الفرض والنافلة في أدوار المنظمات فإنه من الضروري أن نتذكر أنه يوجد دوران رئيسان لكل منظمة، هما:

الدور الأساسي، وهو ذلك العمل المحكم بدساتير تنظيمية ورؤى ورسائل وأهداف تشغيلية لذلك الجهاز، والتي تحدد بدقة متناهية طبيعة ذلك الجهاز والأعمال المنوطة به والأهداف المتوخاة من قيامه بمهامه.

أما الدور الثاني فهو دور المسؤولية المجتمعية، والتكامل مع باقي المنظمات لخير البلاد والعباد. وهذا الدور غاية في الأهمية وقوفا عند الحقيقة القاطعة أنه لا يمكن أن يقف أي مجتمع دون التكامل بين قطاعاته المختلفة.

الإشكالية تكمن إذن في تغليب جانب المسؤولية المجتمعية وخدمة المجتمع على جانب الأدوار الرئيسية للمنظمة، والذي يصبح حين يتزايد أشبه بتقديم النوافل على الفروض، وهو الأمر الذي سيزيح المنظمة تلقائيا عن المشهد التنموي العام، وذلك لأن القصور الذي ينتج عن تقديم المفضول على الفاضل سيعلو، وبالنتيجة فإن المصالح ستتعطل لتنتج تكلفة اقتصادية مضاعفة، علاوة على آثارها المجتمعية والنفسية على كل المستفيدين.

هي دعوة إذن لأن تقوم كل المنظمات بأدوارها الأساسية قبل أن تشرئب أعناقها إلى الأعمال التي تقع خارج نطاق الاختصاص، وحينما تكون المنظمة مبدعة في أداء أدوارها الأساسية ومميزة في تقديم خدماتها الأم فإنها ستكون عقدا فريدا في تقديم أدوار المسؤولية المجتمعية، سواء كان ذلك الدور في نطاق اختصاصها أو ممتدا ليشمل جانبا آخر من جوانب اهتماماتها، وسينعم الجميع آنذاك بنسيج تكاملي بديع يحصد الجميع ثماره بعد أن تفيؤا ظلاله.