محمد النفاعي

الكبار ولعبة الصغار في بيئة العمل

الجمعة - 08 فبراير 2019

Fri - 08 Feb 2019

قبل مدة تم تداول مقطع مرئي لأب يجازي ابنته بحرمانها من ركوب حافلة المدرسة أثناء العودة إلى البيت، جعلها تعود مشيا على الأقدام وهو يراقبها من داخل سيارته الخاصة بسبب تنمرها على زميلة لها داخل الحافلة.

عند مشاهدتي للمقطع مع ابني الصغير موضحا ومسترسلا في شرحي له عن التنمر وأشكاله والطرق المثلى للتعامل معه، بادرني بسؤال مفاجئ، حيث قال «أبي هل عندكم في العمل تنمر كما هو عندنا في المدرسة؟».

هذا السؤال استوقفني كثيرا واسترجعت بعض الأحداث التي حدثت لي شخصيا أو نقلها لي الزملاء، وعلى مختلف المستويات الوظيفية أو الإدارية، والتي أعتقد أنها تندرج تحت مفهوم التنمر الإداري والوظيفي مع الأسف.

التنمر هو شكل من أشكال الإساءة التي تترك أثرا سيئا على النفس للمتلقي لهذا التنمر. وفي اللغة يقال تنمر لفلان أي تنكَّر وأوعده وأيضا مدّ في صوته عند الوعيد.

الأغلبية ارتبط عندهم التنمر بالأطفال والمدارس فقط كبيئة حاضنة، ولكن الواقع هو أن التنمر موجود أيضا في بيئة العمل. آثاره السلبية لا تقتصر على الأفراد، بل تؤثر على إنتاجية المنظومة، ومن ثم على المكتسبات بشكل عام لجميع الأطراف.

لن نستطيع أن نسترسل في شرح آثاره السلبية، ولكن علينا تذكر قانون إسحاق نيوتن الثالث للحركة الذي ينص على أن (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه). هناك دراسات وإحصاءات كثيرة عن التنمر في بيئة العمل، ولكن نكتفي بالإشارة إلى تقريرين يمكن الاطلاع عليهما باللغة الإنجليزية، الأول بعنوان «25 إحصائية مهمة عن التنمر في بيئة العمل»، والثاني عن دراسة تمت عام 2017 عن التنمر الوظيفي في الولايات المتحدة والصادر من معهد دراسات التنمر الوظيفي الأمريكي (Working Bullying Institute).

التنمر الإداري والوظيفي له أشكال متعددة في بيئة العمل، منها نشر الشائعات الخبيثة، أو القيل والقال، أو التلميحات السلبية في الاجتماعات الرسمية، كذلك إزالة مجالات المسؤوليات دون سبب، وحجب المعلومات الضرورية أو إعطاء معلومات خاطئة بشكل مقصود، وجعل النكات «مهينة بشكل واضح»، وانتقاد شخص باستمرار أو حتى الصمت عن الثناء عليه أمام المديرين. تحديد مواعيد نهائية مستحيلة أيضا من شأنها أن تجعل الفرد يفشل في إنجاز المهمة، وتغيير المبادئ التوجيهية للعمل، وخلق ضغط غير ضروري وحجب طلبات التدريب أو المغادرة أو الترقية.

ببساطة أرى أن الالتزام بقيم المؤسسة وتطبيقها على أرض الواقع ومحاسبة المقصر وتشجيع المجتهد في تطبيقها كفيلة بحل مشاكل التنمر إن شاء الله.

نتذكر قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون» الحجرات آية 11. ولنا أيضا قدوة في رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في تعامله مع خادمه أنس بن مالك الذي قال: خدمته حضرا وسفرا، فما قال لي لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: لم تفعله؟».

ختاما نقول إن ممارسة رياضة المشي مفيدة صحيا بلا ريب، ولكن لنحرص جميعنا على ألا يكون الهدف من المشي هو الوصول إلى البيت بعد انتهاء العمل!

MSNABQ@