شاكر أبوطالب

الصحف الورقية.. بين تدمير المحتوى والاختناق إعلانيا!

الاحد - 27 يناير 2019

Sun - 27 Jan 2019

يستمد الإعلام أهميته وقيمته من حجم تعرض الجمهور لوسائل الإعلام، وبلفظ آخر؛ من حجم الوقت الذي يمضيه الناس في استهلاك المحتوى الإعلامي، وبحسب آخر الإحصاءات الصادرة عن نادي دبي للصحافة، فقد اقترب متوسط الوقت الذي يقضيه الفرد في العالم العربي في استهلاك المحتوى الإعلامي إلى 11 ساعة يوميا، وهذا يمثل رقما قياسيا على مستوى العالم.

ورغم ارتفاع مدة متابعة وسائل الإعلام في المنطقة، إلا أن العديد من وسائل الإعلام تواجه مخاطر عديدة نتيجة الانكماش في الإنفاق الإعلاني، خاصة الصحف الورقية التي كانت تستحوذ على 80% تقريبا من السوق الإعلانية، ويتجاوز اعتمادها على الإعلان إلى قرابة 65% من حجم الإيرادات السنوية، والنسبة المتبقية مقسمة بين عائدات الاشتراكات والبيع. وفي المملكة العربية السعودية أضخم سوق في المنطقة، فعدد السكان يتجاوز 33 مليون نسمة، وإجمالي الناتج المحلي يتجاوز 2600 مليار ريال مع نهاية عام 2018، لذلك تبقى السوق السعودية السوق الاستهلاكية الأكبر في الخليج، وهي السوق الرئيسة والهامة بالنسبة للمعلنين في المنطقة، وبالتالي فإن نمو الإعلانات يفترض أن يوازيه نمو الإعلام المحلي في المملكة.

وتواجه الصحف السعودية فترة حرجة لم يسبق لها مثيل، بسبب تضافر عدد من العوامل، في مقدمتها تراجع الإيرادات الإعلانية للصحف، وتدمير قيمة المحتوى الصحفي. فعلى مستوى الإعلان؛ يعاني القطاع الإعلاني من تشوه في البنية التحتية، فالنظام الإعلاني مفرق دمه بين عدد من الوزارات والهيئات الحكومية، مما يسهل حدوث العديد من المخالفات الصريحة لعدم وجود مظلة تنظيمية واحدة تراقب السوق الإعلانية؛ التي تعد واحدة من أهم القطاعات الرابحة والمربحة في الوقت نفسه.

هذا المناخ غير الصحي أفرز عددا من الممارسات غير السليمة، ومن ذلك احتكار الإعلانات من قبل مؤسسات محددة تعد على أصابع اليد الواحدة، هذا الاحتكار ساعد المؤسسات الإعلانية في فرض نسب عالية من قيمة الإعلان، تتجاوز النصف وتقترب من الثلثين في الصحف الورقية!

أيضا، ساعد هذا المناخ غير الصحي للقطاع الإعلاني في المملكة على الارتجال في الممارسات، خاصة من قبل أهم محفزات إيرادات الإعلان في المملكة، وهي القطاع الحكومي، وقطاع الاتصالات، وشركات الخدمات العامة، وصناعة الخدمات المالية. حيث تم استبدال الإعلان في وسائل الإعلام، بالإعلان لدى مشاهير شبكات التواصل الاجتماعية الذين لا يملكون أي تراخيص قانونية في المجال الإعلاني، وبالتالي سهولة التلاعب بالمتابعين لعدم وجود قانون يجبرهم على تحديد المحتوى الإعلاني.

وعلى صعيد تدمير المحتوى الصحفي؛ الذي يعني تحول جمهور القراء من الصحف الورقية إلى المنصات الرقمية، هذا الأمر أصاب المحتوى الصحفي في مقتل، لاعتماده على السبق الخبري والرأي التحليلي، وهو ما تسلبه وسائل الإعلام الاجتماعي من الصحف الورقية وغيرها من وسائل الإعلام. ومن أبرز المؤشرات على ذلك تناقص مبيعات الصحف الورقية مقابل تنامي أعداد القراء عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعية، خاصة مع سهولة الوصول إلى المحتوى الصحفي دون دفع أي تكلفة، الأمر الذي أدى إلى تدمير قيمة المحتوى الصحفي، وسلب الصحف القدرة على تحصيل عائدات استثماراتها في صناعة المحتوى.

وإجمالا، يجب على وزارة الإعلام إيجاد الحلول المناسبة والسريعة لحماية المؤسسات الصحفية من تراجع الإيرادات، للمحافظة على صحافة قوية داعمة للإعلام والاقتصاد. وكذلك ينبغي الالتفات إلى القطاع الإعلاني وإعادة هيكلته وتنظيمه، وتوفير البيئة القانونية المحفزة، لمساعدته على النمو ليصبح من القطاعات المساهمة بفاعلية في الاقتصاد الوطني.

shakerabutaleb@