أحمد الهلالي

الأمن العلمي ضرورة وطنية!

الثلاثاء - 15 يناير 2019

Tue - 15 Jan 2019

بعد الحديث عن (عمادات البحث العلمي في الجامعات) التي غالبا ما تتخصص في بحوث الأساتذة، يجدر الحديث عن البحث العلمي عند الطلاب، فيحمد لجامعاتنا عنايتها ببرامج محفزة على البحث العلمي، لعل من أهمها المؤتمر العلمي السنوي الذي تنظمه وزارة التعليم على مستوى المملكة، وكذلك المؤتمرات العلمية التي تنظمها بعض الجامعات لطلابها، لكن هذه الجهود ليست كافية لخلق بيئة بحثية محفزة، لأسباب سأذكر بعضها.

أولى المعضلات التي يواجهها البحث العلمي في كثير من الجامعات هي قلة الأدوات التي تجعل البحث العلمي أساسيا لدى الطالب في جل المواد التي يدرسها، فإن درس أساسيات البحث العلمي في مادة مستقلة، ودرس مناهج البحث العلمي، فإن ممارسته لها قليلة، تأتي القلة من زهد بعض الأساتذة في تكليف طلابهم بالبحث؛ بسبب اعتماد كثير من الطلاب على الآخرين في إعداد بحوثهم، أو سرقتها من الإنترنت، وبعض الأساتذة يستسلم للأمر الواقع، وبعضهم ربما يوحي لطلابه أن يأتوا بالتكليف (أيا كان) المهم التكليف (والسلام)!

لا تبرأ ساحة الأستاذ الجامعي، بل يجب عليه تحفيز طلابه وحثهم على البحث، ومتابعة وتدقيق ما يكتبون، ورد ما يشتبه فيه أو تثبت سرقته، ليزرع في طلابه فضيلة الأمانة العلمية، ووجوب احترامها، لكن من جانب آخر سيجد الأستاذ الجامعي عنتا كبيرا في تدقيق كل الأبحاث وفحصها إذا علمنا أن بعض الشُعب تحوي من 50 إلى 100 طالب وبعضها أكثر، فكيف إن كانت لدى الأستاذ أربع أو خمس شعب بهذه الكثافة العددية، ناهيك عن الأعداد الكثيفة في (الفصول الافتراضية).

ومن ناحية أخرى، تنتشر مراكز خدمات الطلاب حول الجامعات، وبعض هذه المراكز تنحرف لتكون وكرا للمرتزقة تدير سوقا سوداء، فالواجهة تصوير وتغليف، وخلفها مرتزقة ينتظرون على هواتفهم وإيميلاتهم، بعضهم عاطلون وبعضهم أساتذة منحرفون، وبعضهم ربما يكون خارج البلد، ناهيك عن مواقع الكترونية، وحسابات نشيطة على مواقع التواصل الاجتماعية تطارد أبناءنا، وتعلن ببجاحة استعدادها لإنجاز تكاليف الطلاب من الواجب الصغير إلى رسالة الدكتوراه، وتستهدف طلاب دول الخليج للوفرة المالية لدى كثير منهم، وما كثرة هذه الحسابات والمواقع إلا دليل دامغ على الرواج بين بعض أصناف الدارسين.

كل هذه التعقيدات تواجه البحث العلمي، وتزيده وهنا، ولذا لا بد أن تستشعر الجامعات القضية، وتتدخل تدخلا حقيقيا؛ لأننا أمام قضية (أمن علمي) يوهن مخرجات الجامعات، فيمتد هذا الوهن إلى مستقبل الوطن وازدهاره، فانصراف الأساتذة عن تكليف الطلاب بالبحث سيضعفه، والتياذ الطالب بالمرتزقة كارثي، ولا مخرج من هذا إلا بدراسة القضية بجدية وعمق، وابتكار الحلول الفعالة.

لعل أول الحلول يأتي بالتركيز على خلق بيئة بحثية متفاعلة داخل الجامعة الواحدة، وزيادة وعي الطلاب بأهمية البحث العلمي لصقل شخصياتهم العلمية، فالمؤتمرات والمسابقات على مستوى الجامعة/ الكلية/ القسم، ستعطي البحث العلمي حضورا قويا، وأيضا تحديد مواد بعينها في كل تخصص، يركز أساتذتها على تقوية أدوات طلابهم البحثية مهم جدا، فهذا التحديد سينظم مهمة البحث، وسيفرض على القسم أن يقنن عدد الطلاب في تلك الشعب، ولا عذر للأستاذ عن المتابعة والتدقيق.

ومن الحلول أن تعمد الجامعات إلى توفير كل البرامج التقنية الحديثة التي تساعد في كشف السرقات، فمتصفح (قوقل) وحده لا يكفي، وثمة برامج ومواقع وقواعد بيانات مهمة تحتاج إلى اشتراكات برسوم، تستطيع الجامعات الاشتراك فيها وإمداد منسوبيها بمعرفات تساعدهم في فحص ما يتقدم به طلابهم.

ومن الحلول أن تنشئ الجامعة موقعا الكترونيا، تنشر عبره بحوث التخرج لكل طالب بحسب كليته وقسمه، فهذه المواقع ستكون عاملا مساعدا في تقليل استفادة المرتزقة من تكرار الأبحاث التي لا تكتشف؛ لأنهم يبيعونها لأكثر من طالب عاما بعد آخر، وعلى طلاب جامعات شتى، في بلدان مختلفة، لكن وجود المواقع سيقطع عليهم هذا السبيل لأنها ستظهر في محركات البحث.

ومن الحلول المهمة جدا، تأسيس تشريعات وعقوبات صارمة والإعلان عنها باستمرار، وتوقيع الطالب قبل بحث التخرج والماجستير والدكتوراه على تعهدات بقبول تطبيقها في حال مخالفته لأمانة البحث العلمي، وكذلك لأنها قضية أمنية؛ يجب على الجامعات أن تتعاون مع الجهات الأمنية لملاحقة المرتزقة ومراكز خدمات الطلاب المشبوهة، والمواقع الالكترونية المجرمة، ومقاضاتها والتشهير بها، ومحاسبة كل طالب أو أستاذ تثبت إدانته، لأن الملاحقة الأمنية ستكشف الكثير، ومن غير اللائق أن يظل السرّاق آمنين.

ahmad_helali@