عبدالله المزهر

هجمة «مرتدة»..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 14 يناير 2019

Mon - 14 Jan 2019

أنتم بالطبع تعرفون أني مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وأعترف ـ دون دخول في التفاصيل ـ أن هذا الإيمان مر ببضع مطبات من الأسئلة وتحويلات بسبب عدم وضوح الرؤية، وشيء من وعورة الفهم قبل الوصول إليه يقينا، وفكرة البحث عن الحقيقة بجدية فكرة ليست سيئة. وأهم شروط البحث عن الحقيقة هي أن تكون النية الوصول إليها، وليس البحث عما يوافق القناعات الحالية، أيا كانت هذه القناعات.

والشرط الآخر الذي لا أظنه أقل أهمية من الأول هو أن يكون «الشك» حقيقيا، وأعني أن تكون تصوراتك الخاصة التي لم يملها عليك أحد هي من أوصلتك إلى منطقة التساؤلات.

وبعيدا عن هذه المقدمة التي تبدو رتيبة بعض الشيء فإني لا أخفي أني أستسخف فكرة الإلحاد، هي أغبى إجابة يمكن أن تصل إليها تساؤلات العقل البشري، وقلت سابقا في مكان نسيته إن الله ليس بحاجة إلى أن تدلي بشهادتك على أن اليوم الآخر ـ على سبيل المثال ـ موجود بالفعل. الإيمان باليوم الآخر أفضل ما يمكن أن يحدث لك أنت في الدنيا، إنه أمر يجعل للحياة معنى، لأن فكرة أن الحياة منتهى كل شيء تبدو فكرة مرعبة مخيفة. لكن حين تؤمن بأن ذلك اليوم آت لا شك ولا ريب فإنك تستطيع التعايش مع كل شيء. تستطيع تقبل الأشياء التي لا يمكن تقبلها. ولا أعلم حقيقة كيف يتعايش الملحد مع الظلم والقهر والاستبداد والقتل والتشريد، وأن كل هذا سيمر وينجو القتلة والمجرمون ويكونون نسيا منسيا بمجرد مغادرتهم الحياة. هذه فكرة مؤذية للحياة نفسها.

ولا أخفيكم أيها المؤمنون والمؤمنات أني أجد فكرة «الملحد السعودي» التي بدأت تروج مؤخرا فكرة تبدو كوميدية ساخرة للوهلة الأولى، ولكنها لا تبدو كذلك في «الوهلات» اللاحقة. وأغلبهم ـ إن لم يكونوا كلهم ـ كان الإلحاد بالنسبة لهم أسهل طريقة للاحتجاج، كرهوا المجتمع فأرادوا النيل من أعلى معتقداته، لم يكن إلحادا ناتجا عن البحث ولا عن التساؤلات ولا استنتاجا نهائيا بعد رحلة طويلة من البحث ومطاردة الحقيقة.

هم في الغالب كائنات ضعيفة لم تتحمل صدمة اكتشاف أن كثيرا ممن كانوا «أيقونات مقدسة» يكذبون ويتلونون ويبحثون عن المال في كل خطبة موعظة وبرنامج تلفزيوني. وأن الذين حدثوهم عن الزهد كثيرا يكنزون الأموال والضياع والقناطير المقنطرة من كل ما غلي ثمنه، وأن الذين حدثوهم عن الشجاعة جبناء. وأن جل القيم التي حدثوهم عنها كانت للاستخدام الخارجي فقط.

الأمر أشبه بأن يكون لاعبو فريقك الذي تشجعه سيئون فتقرر كراهية كرة القدم برمتها، مع أن المشكلة ليست في اللعبة ولكنها في لاعبي فريقك الذين يؤدون بطريقة قبيحة تسيء إلى كرة القدم وإلى المدرجات وإلى العشب وعوارض المرمى.

وعلى أي حال..

وبمناسبة كرة القدم، فإن الإيمان باليوم الآخر يخلصك على الأقل من فكرة أن تعلقك وتشجيعك لفريق يخسر دائما ليس أمرا أبديا. سيأتي يوم وتقوم الساعة، أما اليوم الذي سيفوز فيه فلا تنتظره كثيرا فغالبا لن يأتي.

agrni@