محمد النفاعي

الحس العام في كل لحظة ويوم وعام

الجمعة - 28 ديسمبر 2018

Fri - 28 Dec 2018

وهب الله سبحانه وتعالى الإنسان خمس حواس تعتمد بشكل مباشر على مدخلات خارجية تحيط به. وحسب هذه المدخلات تكون هناك ردة فعل متوقعة ومتكررة من الإنسان. هذه الحواس هي: حاسة التذوق، الشم، اللمس، البصر، السمع. وحاسة السمع أكثر الحواس التي ذكرت في القرآن الكريم، حيث ذكرت 139 مرة.

مع بداية عام ميلادي جديد تتكرر أسطوانة تحديد الأهداف، هنا لن نتكلم عن أهمية الحواس الخمس أو حتى الحاسة السادسة التي يقصد بها الحدس في تحقيق تلك الأهداف، لكن سنتطرق لما يعرف بالمنطق السليم أو الحس العام أو حتى بالبداهة، وهو ما يعرف في اللغة الإنجليزية بـ common sense الذي لا يدخل ضمن هذه الحواس الخمس، ولكن نتمنى ممارسته في كل لحظة وطوال العام في حياتنا.

هذا الحس العام هو ما يميز الأفراد الذين يحسنون التصرف والإتيان بردة فعل بدهية أثناء مرورهم بمواقف وحالات تجنبهم السخط العام ممن حولهم، بل قد تجنبهم ردات فعل غير متوقعة قد تصل في بعض الحالات إلى دفع حياتهم ثمنا لها.

سنسرد فيما يلي بعض الأمثلة لسوء التصرف وعدم تطبيق مبدأ الحس العام، وما يتبع ذلك من نتائج سيئة، وربما عواقب وخيمة:

هناك من يسرع عندما يشاهد إشارة مرور وقد تحولت إلى اللون البرتقالي، ويحاول اللحاق بها قبل أن تتحول إلى اللون الأحمر. هذا التصرف قد يدفع ثمنه حياته وحياة أشخاص أبرياء آخرين مع أنه من البدهي ومن المنطق السليم أن هذه ليست آخر إشارة حمراء، بل ستتبعها إشارة خضراء بعد فترة قليلة جدا.

هناك من مراجعي العيادات في المستشفيات من يفضل انتظار دوره في الممرات، أو الوقوف أمام غرفة الطبيب آملين أن هذا الأمر سيغير من الواقع بأن يدخلوا إلى الطبيب بسرعة وقبل أن يحين دورهم. هذا الفعل لا يتوافق مع الحس العام وقد يدخل صاحبه في حرج مع من حوله، مع العلم أن جميع المستشفيات دون استثناء قد وفرت غرف انتظار مريحة مزودة بالوسائل الكفيلة بمعرفة دور المريض للدخول. ونتذكر ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه «إياكم والجلوس في الطرقات»، الحديث.

مثلا، نجد كثيرا ممن يقفون عند مداخل المصاعد، أو حتى يندفعون لركوبها، وكأنه لا يوجد هناك من هم بداخل المصعد وسيحتاجون للخروج بطمأنينة وسلامة. وقد يشتد التدافع ويحتد وكأن هذا المصعد هو الأخير، ولن تكون هناك جولة أخرى. قس على هذا الأمر من يوقف سيارته أثناء الازدحام المروري في أماكن غير مخصصة لذلك أو حجز موقفين، مما يتسبب في عرقلة انسيابية الحركة المرورية.

ترى هل نستطيع أن نطور لدى النشء وفي مراحل مبكرة من عمرهم معنى الحس العام والبدهيات، بأن نمارسها أمامهم، وأن نشرح لهم لماذا تصرفنا بناء على ذلك، وتعليمهم الفائدة من استعمال العقل والمنطق السليم لتحليل الأمور، ومن ثم التصرف السليم الذي يجنبهم البعد التام عن التصرفات الحمقاء والتفكير بأنانية مفرطة تضرهم قبل أن تضر من حولهم.

هنا نتذكر حسن تصرف سيدنا يعقوب مع ابنه يوسف في قوله تعالى «قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين» سورة يوسف آية 5.

ختاما، أتمنى ألا نكون جميعنا ممن قال فيهم حكيم العرب أكثم التميمي «إذا بالغت في النصيحة فتأهب للتهمة».