عبدالغني القش

الإجازة النصفية.. بين هامشية وعبثية!

الجمعة - 28 ديسمبر 2018

Fri - 28 Dec 2018

ما من شك في أن الإجازة فرصة مواتية للترويح عن النفوس، وسبب لإدخال الأنس عليها، وتجديد النشاط، ووقت موات لاستثمار مدة زمنية في أمور مفيدة ربما لا تتاح للمرء في أيام العمل والدراسة.

يحتاجها الشباب لتفريغ طاقاتهم وتنفس الصعداء بعد جهد استمر لبضعة أشهر في الدراسة، فبحلول يوم غد تبدأ جميع المدارس والجامعات رسميا إجازة ما بين الفصلين، وإن كانت بدأت منذ الأسبوع الماضي بشكل غير رسمي، ليتمتع الجميع ببضعة أيام (لمدة أسبوع)، يسميها البعض إجازة الربيع، فيتغير فيها النمط الحياتي اليومي، ويتخلصون من الارتباط الروتيني، على طريقة روحوا عن أنفسكم، وساعة وساعة، وكنا إذا خلونا سلونا.

لكن المؤسف أنها تتحول إلى روتين ممل، وعبء ثقيل إن لم نعمل فيها عقولنا ونستثمرها بشكل جيد من أجل إثراء أرواحنا وأنفسنا بما ينفعها، وإن لم نفكر بالطريقة المثلى لقضائها، وبما يحقق الهدف منها، فإن أياما من العيش على سهر بلا عائد وعبث بلا طائل تعني مللا عجيبا، وسآمة قاتلة، وفراغا مقيتا، فيخيم على الأسر الضيق وتغشاها الكآبة، فتتحول الإجازة لنوع من الأمراض النفسية وتصبح مشكلة اجتماعية معضلة.

والمطلوب استغلال الإجازات مهما كانت محدوديتها وقصر مدتها، لسبب بسيط وهو أن بلادنا تملك المقومات التي تجعل المرء يقضي إجازته على أرضها وفي أرجائها، خاصة في هذه الأيام التي تشهد ربيعا قلما يمر عليها بهذا الشكل الأخاذ، وتستوجب تهيئة تلك الأماكن للجميع بتكاتف جميع الجهات المعنية.

والمشهد يفترض فيه أيضا كثافة للفعاليات وتنوع في الأنشطة وتعدد في البرامج، بحيث يكون هناك إرضاء للذائقة وإشباع للميول، وهذا التحدي الخطير يبدو - مع بالغ الأسف - أنه لم يتم أخذه بعين الاعتبار؛ فما زالت هيئة السياحة والتراث الوطني تمارس نشر الفقاعات الإعلامية التي لا نلمسها واقعيا، وهيئة الترفيه تركز على جانب محدود من الترفيه، وبالتالي نحن على أرض الواقع نرى فعاليات تتكرر بلا جديد، وأسعارا ملتهبة للفنادق وأماكن الارتياد كالمطاعم والمتنزهات وما في حكمها، وبالتالي نعيش وضعا سياحيا لا يرضي أحدا، في حين أن بعض الجهات ترى أنها حققت المستحيلات من الإنجازات!

إن من المفترض أن تتسم الأيام المقبلة بفعاليات تناسب جميع الفئات، بإقامة المسابقات والبرامج المسلية الهادفة والجاذبة في الوقت نفسه، لاحتواء الشباب وتحصينهم ضد الموجات العاتية التي ترد إليهم من كل حدب وصوب، وبأساليب حديثة ومشوقة.

والعجيب أن الكل يتهرب من المسؤولية؛ فالأمانات تقذف بها نحو الهيئة والهيئة تعيدها للجهات، وكانت بعض الغرف التجارية والجمعيات الخيرية تجتهد في إقامة مهرجانات وتوقفت، ويظل الشاب هو الحلقة الأضعف يتجرع المرارة ويتكبد الحسرة!

والمرجو إيكال أمر إقامة المهرجانات واستغلال المناسبات لجهات متخصصة، وحبذا إيكالها لشركات متخصصة، تقيم الفعاليات وتغطي تكاليفها من الدعاية والإعلان، بحيث تظهر الفعالية بحلة قشيبة تجذب المتلقي وتنال استحسانه.

ولا زلت أطالب بل وأناشد بتفعيل دور المسؤولية الاجتماعية في الشركات الكبرى والبنوك، بحيث ينعكس ذلك على المجتمع، ومن أسف أن يترك الحبل على الغارب، فمن شاء شارك ومن لم يشأ أحجم، في ظل غياب الرقابة فضلا عن المحاسبة.

إن الواقع يؤكد الفراغ الكبير الذي يعيشه شبابنا وفتياتنا، إذ لم يتعودوا في تعليمنا ومناهجنا على أهمية الوقت وضرورة استغلال كل دقيقة، مما أدى بالبعض للانجراف وراء كل ناعق، واتباع تيارات عدة ومشارب مختلفة ربما كان البعض منها خطيرا ومخيفا، والسبب يعود لعدم وجود ما يشغلهم ويجعلهم يقضون أوقاتهم في النافع المفيد.

ونداء لهيئة السياحة والتراث الوطني ولهيئة الترفيه والأمانات والغرف التجارية وغيرها من الجهات أن تقوم بواجبها تجاه مجتمعها، وبالشكل الذي يحقق التطلعات ويرضي الطموحات، فهل من استجابة عاجلة؟!