حنان درويش عابد

هل يمكن استلهام تجارب الدول الصناعية وتطبيقها في المملكة؟

الاحد - 23 ديسمبر 2018

Sun - 23 Dec 2018

لطالما كان الإنسان كائنا مقلدا، فالتطور البشري بحد ذاته نتج جزء كبير منه من خلال التقليد، والصين تمثل في عالم اليوم المثال الأكبر على ذلك، فتقليد التكنولوجيا الغربية وإعادة إنتاجها في الصين جعلا منها دولة صناعية كبرى. وتجارب الدول الصناعية كثيرة ومتنوعة وثرية، ولا شك أن كل دولة تمتلك خصائصها الخاصة بها، مع عدم إغفال أهمية التفاعلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في كل منها، ومع ذلك تبدو النتائج متقاربة ومتشابهة، ومع أن التطور الصناعي في تلك البلدان تراكمي إلا أن هذا أدعى إلى ألا تتأخر البلدان غير الصناعية أكثر في البدء بالتوجه نحو الصناعة.والمملكة العربية السعودية وهي تسعى من خلال خطط ممنهجة يحرص واضعوها على الالتزام بجداول زمنية لإنجازها، تحتاج إلى أن تخطو خطوات شجاعة وكبيرة نحو جعل الصناعة المحور الأول والركيزة الأساسية لاقتصادها، فالعمل على تطوير الصناعة يعد التحدي الأكبر الذي يمكن أن يواجه دولة غير صناعية. والمملكة تمتلك من الموارد والخبرات والإمكانات ما يؤهلها بقوة لبلوغ هذا التحول، والانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الصناعي، ومن ثم تجنيب قطاع واسع من قوة مواردها البشرية مستقبلا من إشكالية التركيز على القطاعات الخدمية التي أتخمت بفائض عن حاجتها، إلى قطاع الصناعة الواعد الذي سيضيف لقوة اقتصاد الدولة السعودية مصدر قوة جديدا، وسيعزز استقرارها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

وفي الإطار نفسه، وباستلهام تجارب الدول التي وصلت إلى غاياتها في قطاع الصناعة، ستحتاج المملكة إلى إنفاق حكومي هائل على البنية التحتية كالطرق، والجسور، والموانئ، والمطارات، ومحطات الطاقة، والمراكز الصحية الأولية، وستحتاج إلى فتح الاقتصاد بشكل كامل أمام الاستثمارات الأجنبية، والبدء بالتصنيع الذي يغطي حاجات السوق المحلي ثم الانتقال إلى التصدير للخارج، حيث إن السوق المحلي يمكن أن يكون في البداية «ترمومتر» لجودة المنتج السعودي وتحسينه وتطويره قبل طرحه في الأسواق العالمية، لضمان حيازته سمعة تمكنه من الاستمرار والمنافسة في الأسواق العالمية.

ولن نتمكن من بلوغ هذه الغاية دون أن نستلهم أيضا من الدول الصناعية تركيزها بشكل كبير على التعليم التقني، وإعداد أجيال من المؤهلين لتشغيل المصانع وتحريك عجلة الصناعة. وعلى هذه النقلة النوعية في مفاهيم التعليم أن تبدأ من المراحل الدراسية الأولى، وذلك بتصنيف الطلاب القادرين على الإبداع التقني والفني الصناعي مبكرا، ودمجهم بشكل مباشر في إطار تعليمي جديد يقوم على أسس مكتسبات التطور في المناهج التعليمية التقنية والفنية السعودية، مع دمج تلك المناهج مع المناهج المعتمدة في عدد من أهم الدول الصناعية في العالم.

ويعد تمكين المرأة جزءا من هذا البناء، حيث إن كثيرا من المصانع حول العالم تشغلها نساء عاملات، ومن هنا لا يمكن تحييد المرأة السعودية وتجاهل قوتها البشرية، وهي قادرة كأي مواطنة عاملة في أي دولة صناعية على أن تخدم بلدها ومجتمعها، وهذا يعني تقليص حجم مشكلة البطالة في المملكة، ورفع مستوى الدخل، والقضاء على كثير من المشاكل الاجتماعية المصاحبة للأزمات الاقتصادية الفردية.

إن استلهام تجارب الدول الصناعية للوصول إلى غايات اقتصادية جديدة، ولتطوير مستوى الأفق الاقتصادي، وتعزيز مخرجات خطة 2030، يتطلب منا جميعا وضع أعرافنا الاقتصادية التي اعتدنا عليها جانبا، والانتقال بالمشهد الاقتصادي السعودي من إطار الركون إلى الموارد الطبيعية وتأجيل الانتقال النوعي والشامل للاقتصاد الصناعي، إلى إطار نكون فيه قادرين على أخذ قرارات استراتيجية كبرى تزيد من سرعة قطار هذا التحول الذي أصبح حاجة ملحة لجميع البلدان.

hananabid10@