عبدالله المزهر

الكثير من المحنة..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 16 ديسمبر 2018

Sun - 16 Dec 2018

المحنة في لسان العرب هي «الخبرة»، وامتَحن القولَ: نظر فيه ودَبَّره.

ومحن الفضة أي صفاها وخلصها بالنار، وفي قول الله تعالى «أولئك الذين امتحن الله قلوبهم» أي صفاها ونقاها ووسعها للإيمان.

والمحنة تبدو مختلفة عن الامتحان، لكنها ليست كذلك، فأصلهما واحد ومعناهما واحد، وهي التي يستعاذ منها كل خطبة جمعة ومن شر ما ظهر منها وما بطن.

والمحن والامتحان اسمان لفعل يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة، فامتحان الشيء يعني طرقه أو حرقه أو سؤاله بهدف الوصول إلى حقيقته.

واختصار القول ـ ليس كثيرا ـ أيها الممتحنون والممتحنات أن ما يحدث لكم في هذين الأسبوعين ليس أمرا جللا ولا خطبا مدلهما، وكل ما في الأمر أن هناك من يريد أن يعرف حقيقتكم، وماذا كنتم تفعلون طوال الفصل الدراسي الذي اقترب من نهايته، ولذلك فإن الخائف الوجل من هذه المحنة هو من كان لاهيا سارحا «يسرح ويروح» مع الناس دون هدف ولا غاية.

أما الذي كان يعرف أهدافه ويخطط لها ويوزع أوقاته فإنه يرى هذه الأوقات أفضل أيام السنة الدراسية. ولدي خبرة ـ أو محنة كما عرفها لسان العرب ـ عريضة في هذا المجال، فأنا من الصنف الأول الذي كان يفاجأ في كل فصل دراسي بأن في نهايته الكثير من المحن والفتن، ثم أبدأ في محاولة اللحاق بما فاتني، والذي يكون دائما أكثر وأكبر وأسرع من أن أستطيع اللحاق به. ثم أعقد العزم على أن الفصل القادم سيكون بداية التغيير، وأني سأفترس الكتب افتراسا، وسأجعل المناهج هي من تقع في المحنة، لكن هذا لا يحدث.

وقد رزقني الله بالكثير من أصدقاء السوء الذين كانوا يهونون عليّ الأمر ويخبرونني أنه لن يتغير شيء في الكون، وكنت أيضا صديق سوء لآخرين لم يرزقهم الله بأصدقاء مثل أصدقائي، فأهون عليهم الأمر وأحثهم على عدم إجهاد النفس، فالحياة قصيرة والامتحان الحقيقي سيكون يوم الحساب.

الذين نجوا من فخ صداقتي أصبحوا شيئا مهما في الحياة، وأحيانا أتمنى لو أني كنت مجتهدا مثلهم، ولكني حين توسوس لي نفسي بالندم أنهرها وأقول لها حتى لو عاد الزمن فلن يتغير شيء، الذي قد يحدث هو أني ربما أستطيع الإيقاع بأولئك الناجين الناجحين حتى لا أشعر بالندم في المستقبل.

وعلى أي حال..

لا أعلم من الذي اخترع فكرة الامتحانات في نهاية الفصول، ولماذا لا تكون امتحانات صغيرة وكثيرة وقوية ومتساوية طوال أيام الفصل الدراسي، دون حاجة لهذا الاحتفال الختامي الذي قد يصادف أسوأ يوم في أيام الطالب، لماذا لا تجرب وزارة التعليم هذه الطريقة إن كان لا زال في نيتها القيام ببعض التجارب الإضافية قبل أن يغلق باب التجارب إلى الأبد؟

وإلى ذلك الحين دعواتي ـ المباركة ـ بالتوفيق لسائر الممتحنين والممتحنات، وألا تمنحهم الحياة فرصة للالتقاء بالأصدقاء الذين على شاكلتي قبل أن يصلوا إلى مبتغاهم وتتحقق أمنياتهم.

agrni@