عبدالغني القش

الإعلاميون واللغة.. وضعف التمكن!

الجمعة - 07 ديسمبر 2018

Fri - 07 Dec 2018

اللغة والإعلام صنوان، وضعف أحدهما يؤثر قطعا في الآخر، ولا أعمم ضعف الإعلاميين أبدا، لكن بعض الأشخاص في مجال معين وفي أحيان كثيرة ربما يشكلون منعطفا في الحكم على البقية، فمثلا عندما يتداول مقطع عن شخص يرتكب جرما وهو ينتسب لجهاز معين، ربما يكون ذلك الفعل مدعاة للحكم على الجهاز عامة، وهكذا العمل الإعلامي.

من يتحدث إلى الناس في موقع إعلامي، سواء كان مسموعا أو مرئيا أو مقروءا، يمثل جزءا من إعلامنا، وعليه أن يعي هذه الحقيقة ويدرك ثقل المسؤولية ومكانة وحجم الموقع.

اللغة أساس مهم في الحديث وفي إيصال الفكر ونقل الثقافة، وهي منطلق محوري لتقديم الحضارة للاطلاع على مكنوناتها، ودون جودة اللغة لا يتأتى ذلك مطلقا، إذ إننا نشاهد قنوات ونستمع إلى محطات ونقرأ صحفا بلغات أخرى، ونحكم على مضامينها وما حوته من فكر وما حملته من ثقافة.

والمشاهد أو المستمع أو القارئ لديه حاسة نقدية قوية، وقديما قيل «الناقد بصير»، وبالتالي يستطيع منذ الوهلة الأولى الحكم على البرنامج أو المقال أو حتى من خلال الاستماع لأي شخص، فالحس النقدي موجود عند عامة الناس فضلا عن مثقفيهم ومفكريهم.

ومما يحز في النفس الاستماع أحيانا أو مشاهدة بعض البرامج، بما فيها من لغة ركيكة وأخطاء فادحة من أشخاص يفترض أنهم لم يعطوا هذه المواقع إلا بعد خضوعهم لاختبارات عدة، وفحص قوي للغة التي يحملونها، وقياس المستوى الثقافي لديهم، ناهيك عن مؤهلاتهم العلمية التي يفترض أن يكون لها ضلوع باللغة والإعلام.

ومما يؤلم المرء طريقة نطق بعضهم لكلمات بلغات أخرى؛ كنطق أسماء بعض عواصم الدول أو المدن فيها والأجهزة والمنظمات والهيئات بشكل خاطئ، مما يعني عدم إلمامهم بشيء من اللغات الأخرى، وهذا الإلمام - في تصوري - أمر مهم جدا، فالذي يتصدر للحديث يجب أن يلم بأبجديات اللغات، أو على الأقل يحاول نطق أي كلمة قبل الجلوس أمام الملأ، لا أن يظهر بشكل هزيل ربما يكون مثارا للتندر.

ويتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعية وبرامج الجوال بين حين وآخر مقاطع فكاهية بقصد التندر على إعلامي حاول نطق كلمة أو نطقها بطريقة عجيبة، لكن الرسالة الموجهة من هذه المقاطع هي أن بعض الإعلاميين لا يتقنون لغتهم ولا يحسنون نطق كلمات ربما تكون بلغة أخرى.

وبودي أن يخضع كل إعلامي - يراد له أن يقف خلف اللاقط أو أمام الشاشة أو يمسك القلم ليكتب - إلى دورات تدريبية مكثفة، خاصة في الجانب اللغوي والإلقاء، فطبقات الصوت والثبات مطلب بلا شك، لكن الأهم التمكن اللغوي، خاصة في نشرات الأخبار والبرامج التي لها طابع شبه رسمي، فالإعلامي يشكل واجهة للجهة التي يمثلها، بل ولبلاده التي تنطلق منها تلك المساحة الإعلامية للعالم.

وقد سبق لكاتب هذه السطور أن كتب مقالا طالب فيه بإيقاف البرامج الرياضية في قنواتنا التلفزيونية؛ لأنها لا ترقى للذائقة، حيث ترتفع فيها الأصوات لدرجة اللغط لاختلاف وجهات النظر، وينتج عن ذلك - أحيانا - سباب واتهامات يترفع القلم عن ذكرها، فمستوى الحوار فيها عجيب، وقد خفت وطأتها لكنها باقية مع بالغ الأسف!

وأما المحزن فهو انتشار بعض البرامج التي تنطق باللهجة العامية التي تبتعد تماما عن العربية؛ اللغة الرسمية لهذه البلاد، وذلك إما من خلال بعض المسابقات التي تعتمد على الخداع وتحصيل الأموال، أو غيرها من برامج تسمى «شعبية»، وهو ما يعكس انطباعا عن هذا الشعب بأنه لا يحسن فهم وتداول لغته الأم العربية الفصحى!

وما أود الوصول إليه أن مثل تلك القنوات والإذاعات والصحف تمثل واجهة لبلادنا، وهذا يوجب عدم تمكين تلك المساحة الإعلامية إلا لمن يستحقها ويتمكن غاية التمكن منها؛ ليكون خير سفير لنا، فهل يكون ذلك واقعا؟!

[email protected]