أيمن التميمي

خطبة جمعة إكسبريس!

الاثنين - 26 نوفمبر 2018

Mon - 26 Nov 2018

تخيل أن تذهب لصلاة الجمعة ولا تعلم أنك أنت الخطيب لهذا اليوم! خلال أيام الدراسة في الخارج، ذهبت في أحد أيام الجمعة لأداء الصلاة في مصلى خاص بالطلبة المسلمين في جامعة واترلو الكندية، حيث تم تخصيص إحدى القاعات لغرض تأدية صلاة الجمعة، المصلى يقع في مبنى يسمى الـ Math Building (أي مبنى الرياضيات)، والذي يتكون من خمسة طوابق، وهو أحد أكبر مباني جامعة واترلو وأقدمها. خلال سيرك في هذا المبنى لن ترى إلا رموز التفاضل والتكامل والجذور التربيعية و(س) و(ص)، وستقرأ وأنت تسير في أروقة هذا المبنى العتيق علامات الطلبة ملصقة على لوح مخصص لعرض النتائج وبعض هذه العلامات تحمل في طياتها عثرات السنين، ولهذا ستصل للمصلى وأنت تحمل هم درجاتك في الاختبار المقبل.

شاهد الحديث هنا أني انطلقت ذلك اليوم من مكتبي في الجامعة للمصلى على أساس أن أكون كالعادة مستمعا للخطبة. جلسنا وانتظرنا الخطيب ولكن للأسف لم يحضر (وقد يكون السبب تراكم الثلج في خارج المبنى والله أعلم، فللناس مع الثلج في كندا قصص عدة بعضها مضحك وبعضها مبك وبعضها تحتار في تصنيفه). المهم هو أن الحضور أصبحوا يتلفتون لبعضهم، والكل ينتظر أن يبادر شخص منا ليكون خطيب الجمعة لهذا اليوم.

أغلب الأشخاص لم يكن عندهم الاستعداد لإلقاء الخطبة، لعدم استعدادهم لها أو التحضير لأي موضوع قد يستفيد منه الحضور، وكنت أنا من هذا القسم، والأمل كله في أن يتبرع أحد الحاضرين للقيام بهذه المهمة. في هذه الأثناء يدنو مني أحد الإخوة المصريين ممن تربطني به صحبة في الجامعة رغم اختلاف تخصصاتنا العلمية، ويهمس في إذني قائلا «إيه رأيك تخطب فينا اليوم الجمعة؟».

رفضت الفكرة لأني شخصيا لم أرغب بإلقاء خطبة لن يستفيد منها أحد بسبب عدم التحضير لها، ولكن تحت إلحاح شديد من الأخ المصري ومن أحد الإخوة الباكستانيين وعرضهم أن يقوموا بتجهيز موضوع الخطبة بشكل سريع وإعطائها لي وافقت (يعني بالعامية حنا بنظبطك بكل شي بس لا تشيل هم). وفعلا دخل الأخ المصري لأحد المواقع الدينية باللغة الإنجليزية، واختار خطبة من الخطب الموجودة بالموقع في غضون دقائق قليلة، وعادة تلقى الخطبة في الجامعة بالإنجليزية نظرا لوجود عدد كبير من الإخوة والأخوات ممن لا يتحدثون العربية.

ناولني الأخ المصري هاتفه وبدأت أقرأ الخطبة للطلبة الحاضرين (وكان عددهم لا يتجاوز الـ 20 طالبا). لم أفهم من الخطبة إلا أول سطر ونصف السطر وهي بداية الخطبة فقط، أما الباقي فلم أفهمه ولا أعتقد أنهم فهموا منه شيئا. كل ما كنت أفعله هو أن أومئ برأسي لهم بعد كل جملة، وهم يردون بفعل الشيء نفسه. اكتشفت لاحقا وأنا أقرأ الخطبة أنها مكتوبة بلغة إنجليزية قديمة جدا، وفيها كمية مفردات لغوية انقرضت على الأرجح، وأغلب هذه المفردات كانت متداولة على ما يبدو أيام ريتشارد الملقب «قلب الأسد».

بعد قراءتي صفحة كاملة من الخطبة أدركت أن الموضوع لم يعد خطبة جمعة، وأن الوضع أصبح كلاما مشفرا وأرى في ملامح الحضور علامات الدهشة وعدم الفهم، فقررت أن أتوقف وأطلب من الأخ المصري إقامة الصلاة. وفعلا صلينا الجمعة وانتهى الموضوع بسلام، رغم أنه كان ينتابني شعور بأن أطلب من الحاضرين إعادة الصلاة لأنها لم تكن على الوجه المطلوب.

aiman_altamimi@