شاكر أبوطالب

حرب على ورق!

الاحد - 25 نوفمبر 2018

Sun - 25 Nov 2018

في البدء كانت الصحافة خبرا على ورق، ثم تعددت الصحف كما ونوعا، وتنافست الصحافة خدمة وتخصصا، فاستوعبت إلى جانب الخبر، الرأي والتحليل والتعليق والاستقصاء وغيرها من الأشكال الصحفية. وخلال العقدين الماضيين ظهرت المنتديات والمدونات الالكترونية والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعية والمنصات الرقمية، فنتج عن ذلك تطور عرض المحتوى الصحفي في مواقع وأجهزة وشاشات الكترونية وتطبيقات رقمية، ما سبق أدى إلى تفتيت جماهير الصحافة، واستحداث أشكال صحفية حديثة، وبروز عادات قرائية جديدة لا تعتمد على الصحافة الورقية كثيرا!

في الوقت الراهن تواجه المؤسسات الصحفية في المملكة العربية السعودية تحديات صعبة ومعقدة، أبرزها الضغوط المالية التي دفعت ببعض الصحف إلى الاكتفاء بالنسخة الرقمية، وقد تدفع صحف أخرى إلى ذلك في المستقبل القريب. وبعض الصحف ربما ستقرر الانسحاب الكامل من المشهد وإعلان التوقف عن الصدور، وبعضها الآخر ربما ستفقد استقلاليتها؛ إما نتيجة الدمج أو الاستحواذ المؤسسي الذي يؤدي إلى سيطرة الممول وتآكل صلاحيات التحرير.

ولا شك أن الإعلانات والاشتراكات هي الداعم الرئيس للمؤسسات الصحفية في السعودية، لكن عوائد هذه الإعلانات والاشتراكات تراجعت مع بدء الألفية ليس فقط بسبب التحول من النشر الورقي إلى النشر الرقمي، بل هناك تنظيمات جديدة أقرتها بعض الوزارات أضرت بالصحف في السعودية، أبرزها قرار وزارة المالية بتخفيض رسوم الاشتراكات السنوية للجهات الحكومية بنسبة 57 % (من 700 ريال للاشتراك إلى 300 ريال فقط)، وتقليص عدد الاشتراكات السنوية للجهات الحكومية إلى أكثر من النصف تقريبا. وتحويل وزارة التجارة والاستثمار المئات من الصفحات الإعلانية السنوية للشركات المساهمة إلى موقع الوزارة الالكتروني. وتحويل وزارة العدل إعلانات أوامر التنفيذ من صفحات الصحف إلى الرسائل النصية للهواتف. وتخصيص بعض الوزارات ميزانية الإعلانات لصرفها على مشاهير وسائل الإعلام الاجتماعية للترويج لخدماتها وضمان عدم مشاركتهم في الحملات التي تقام ضدها.

ومع بداية الألفية، بدأ التسرب الوظيفي من الصحف ووصل ذروته في الوقت الحالي، فقرر بعض الصحفيين الانتقال إلى إدارات العلاقات العامة في القطاع الحكومي، وبعضهم اختار الالتحاق بإدارات الاتصال المؤسسي في القطاع الخاص، وآخرون التحقوا بالصحف الالكترونية، وصحفيون انتقلوا إلى التلفزيون، وجميعهم كان دافعهم إنقاذ أنفسهم وعائلاتهم من المستقبل غير المستقر للصحف. ولا يمكن إغفال استقطاب عدد من الوزارات والهيئات الحكومية المواهب الصحفية والصحفيين المميزين في الصحف، وإغرائهم بالرواتب وورقة الأمان الوظيفي.

وقررت بعض الوزارات والهيئات الحكومية التحول إلى مستثمر في صناعة وإنتاج المحتوى الإعلامي، فأنشأت شركات أو مؤسسات إعلامية خاصة بها لإنتاج المحتوى، حتى دون الاستعانة بخبراء الصحافة وصناع المحتوى الإعلامي. وهناك بعض الوزارات تنزعج كثيرا من النقد الصحفي لأعمالها وأنشطتها، فانتهجت أسلوب الملاحقة القضائية للصحف والصحفيين وغالبا لأسباب بسيطة ولا تكاد تذكر!

وقطعا هناك عوامل أخرى ساهمت في المآل الذي وصلت إليه الصحافة الورقية في المملكة، فهناك انخفاض في مستوى الطرح الصحفي، مقارنة بما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعية، وندرة الأعمال الصحفية الخاصة، وغياب الصحافة الاستقصائية، وغيرها من العوامل التي ينبغي التنبه لها والبحث عن مؤشراتها، والقدرة على الابتكار والتجديد في الخدمة والمنتج.

ولتحقيق رؤيتها الطموحة 2030، تحتاج المملكة إلى صحافة قوية ومستقلة، تساهم في مساعدة الحكومة على تنفيذ برامجها الإصلاحية والتنموية، من خلال زيادة الوعي بقيمة البرامج الوطنية المنفذة والعائد منها، وكشف الفساد لتمكين الحكومة من محاربته والقضاء عليه، فتكون الصحافة ضمير الوطن تشجع إنجازاته وتؤنب أخطاءه.

shakerabutaleb@