عبدالله الأعرج

ملتقيات الجامعات.. مؤتمرات أم كرنفالات!

الاحد - 18 نوفمبر 2018

Sun - 18 Nov 2018

من الأمور التي يتفق عليها الجميع أن الهدف الرئيس للمؤتمرات العلمية هو إثراء الحاضرين بالمستجدات في التخصص وتبادل المشورة والجدل الصحي challenging ideas بين المهتمين حول جوانب المعرفة التي اجتمعوا من أجلها.

وحينما يكون هذا هو الهدف الأساس للمؤتمرات المتخصصة فإن أي ممارسات وطقوس احتفالية وكرنفالية وأي كلمات ترحيبية وعروض ترويجية في يوم المؤتمر تصبح عبئا وخسارة وإهدارا للوقت وإفسادا للمزاج العلمي بدون مبرر مقبول، وحينما يدعى المتخصصون للإلقاء أو المشاركة في المؤتمرات فإن الخط العريض الذي يجدر بمنظمي المؤتمرات تذكره أن المدعو (ضيف علمي) وليس (سائحا أجنبيا)، مما يقتضي الحرفية والمهنية في التعامل معه.

وعندما تتحول هذه المهنية إلى كلفة وعناء كأن ترسل سيارات خاصة وفاخرة لاستقبال ضيوف المؤتمر العلمي وتؤمن لهم الجامعة سكنا على طراز خمس نجوم شاملا مأكلهم ومشربهم وتجولهم وتسوقهم وهدايا في جلسة الافتتاح وورودا في حفل الختام، يخرج المؤتمر عن هدفه السامي ويحيله إلى أعراس علمية يتقاسم فيها الحاضرون المجاملات المزعجة والثناءات الباهتة والإغراق في الهوامش على حساب الأصول والمرتكزات، فلا مهنية علمية يمكن انتظارها كمخرج لهذه التظاهرة!

لقد بات من المهم اليوم إعادة مراجعة كثير من الممارسات العلمية في دور التعليم العالي، وعلى رأسها مراسم المؤتمرات العلمية، بحيث يكون هنالك فهم عميق وخط فاصل بين مسمى (مؤتمر علمي) ومسمى (احتفال جامعي)، فالأولى تنتشي وتزدهر بقوة المواضيع المطروحة وكفاءة الأساتذة المشاركين وجودة التنظيم مع بساطته والالتزام بأوقات الإلقاء وترتيب أوراق العمل وتوفير وسائل التقنية التي تنجح التظاهرة، بينما لا يلزم مع الاحتفال الجامعي بالمقابل سوى مزيد من الكرنفالات وكثير من العروض وعدد لا يستهان به من الفخر بالإنجاز وحصر للمآثر وإخراج لكل هذا في قالب مبهر للحاضرين ومثير للأقران والمنافسين.

وقبل أن أختم سأتقاسم معكم قصتين قصيرتين لمؤتمرين علميين، ففي المؤتمر الأول حضرت عند الثامنة والنصف صباحا، ووجدت في بهو المبنى طالبتين وبجانبهما لوحة كتب عليها Conference Registration أي التسجيل للمؤتمر، وتمت إجراءات التسجيل خلال 3 دقائق تسلمت خلالها بطاقة المشاركة وجدول الأوراق التي ستلقى بأماكنها ومواعيدها، وكتيبا لملخصات المواضيع Abstracts، اتجهت بعدها مباشرة لقاعة اللقاء الأول دون أي مراسم احتفال لأجد الجميع قد أخذوا أماكنهم في سكون مهيب، والمحاضر ينظر إلى ساعته للبدء مع تمام التاسعة ولمدة لا تزيد على 15 دقيقة، تتبعها 5 دقائق للمداخلات والأسئلة، ليستمر الحال على هذا المنوال حتى توسط النهار وحان وقت الاستراحة القصيرة التي كنا فيها على موعد مع طاولة بها الشاي ولوازمه وشيء من كعك قليل، نقوم فيها بخدمة أنفسنا، لنعود بعدها لاستكمال الجلسات مختتمين اليوم بدعوة للعشاء في مطعم محلي اقترحته اللجنة المنظمة مقابل فاتورة مخفضة على حساب المشارك لا المنظم.

في المقابل، وفي مؤتمر آخر حضرت عند الثامنة ووجدت قبيلة من المنظمين كان كل واحد منهم يقذف بي إلى الآخر أو يعتذر عن معرفة الجواب أو يصرخ وهو ينادي زميلا آخر طالبا منه مساعدتي، وحين استقر الأمر عند عدم وجود بطاقة خاصة بي أعطيت بطاقة أخرى كتب اسمي عليها يدويا على عجل، لأنطلق بعدها إلى مراسم الاحتفال الذي استغرق نحو ساعتين حصد فيه الحضور من الورود والغناء والضيافة ما يكفي لمدة شهر، وحينما انتهى الكرنفال بادرت بالانطلاق إلى القاعة التي حددت لي لألقي ورقتي فوجدت إحداهن قد أخذت وقتي وبدأت بورقتها قبلي، في مشهد زاد من ذهولي، وبعد انتهاء ورقتها علت الصفقات وانهالت التبريكات ووقف نصف الحضور من أقاربها وأصدقائها في القاعة لأخذ صور معها، وألقيت كلمات العواطف الجياشة حول حسن التربية وبر الوالدين وتحقيق الآمال، وأنا قابع في مكاني أنتظر هذا الجمع أن ينفض لألقي ما لدي إن كان هنالك من يرغب بالاستماع إليه ثم أفر إلى مقر سكني!

مديري الجامعات، معاشر الأكاديميين، منظمي المؤتمرات، طلاب العلم، أعيدوا للمؤتمرات العلمية والتخصصية هيبتها ورونقها وقيمتها بحسن الإعداد لها دون تكلف، وفرقوا بينها وبين مناسبات الجامعات واحتفالاتها، ادعوا إليها جهابذة الفكر دون مبالغة، وأحسنوا الضيافة فيها دون تبذير، واجعلوا هدفها الأول والأخير نشر الثقافة وزيادة المعرفة، وحثوا المنظمين على احترام أوقاتها وكونوا صارمين في اختيار مواضيعها. اجعلوها مرة كل عام حتى تنالوا التمام، احضروها كمستفيدين لا كضيوف شرف مقربين، وأشعلوا فتيل المنافسة بين الطلاب في حسن التنظيم وكرموا بعد انتهائها المتميزين، لتتحول من مجرد كرنفالات إلى إبداعات وإنجازات.

dralaaraj@