فهيد العديم

كلام في الكتابة!

الأربعاء - 14 نوفمبر 2018

Wed - 14 Nov 2018

طرأ ببالي يوما سؤال: لماذا تكتب؟ وسربت قلق هذا السؤال لمعالي مستشاري الفوري السيد قوقل - حفظه الله ومتعه في الويب - وقبل أن يرتد طرفي، أو بعد ارتداده بقليل أتاني بعشرات الإجابات لأدباء ومثقفين وآخرين لا أعرف شيئا عنهم سوى أنهم يقولون كلاما منمقا وجميلا، كل الذين أجابوا عن السؤال أو التساؤل حاولوا أن يجيبوا من على موائد الأدب، حيث الكثير من التورية وتوابل المجاز، والكثير من الخدع اللغوية التي تداعب عاطفة القارئ، وأغلبهم لم يتخل عن ثوريته - نسبة إلى الثورة أو الثوارة لا فرق - كأن يقول إنه يكتب كي ينقذ هذا العالم من البؤس (أخس يا مركز هالأبحاث الطبية!)، أما محدثكم فهو يرى الكتابة مجرد هروب، وليس ثمة مجاز أو تورية في هذا الوصف، أو أحاول ألا تكتشفوا أنني أحاول أن أخدعكم، أنا أعترف أنني فعلا أحاول ذلك، لكن أتمنى أن تتظاهروا بأنكم لم تكتشفوا ذلك، وسأواصل إقناعكم بذلك، نعم الكتابة هروب من أشياء كثيرة، فأحيانا هي محاولة هروب من قول الحقيقة، ومشكلة الحقيقة أنها غالبا غير صالحة للنشر، وكثيرا ما ألقي على عيني وعيي قميص سؤال: هل الكتابة ممتعة؟

الإجابة تستلزم تنهيدة نصف مكتومة، وتقطيبا للحاجبين، وبعض الطقوس التي توحي للسائل أنك مثقف وتنويري - نسبة لأعمدة الإنارة - قبل أن تصارح السائل لتعترف له أن متعة الكتابة في كونك حرا تكتب فكرتك وتوقع على أطراف الورقة قبل أن تركنها في أحد أدراج المكتب كي تعود إليها يوما ما لتعيد صياغتها، ولكنك لا تعود إليها، إن عدت إليها فلن تكون الكتابة ممتعة لأنك انتقلت من ممارسة هواية إلى عمل جاد متعب ومرهق، وتتبدد المتعة تماما عندما تكون الكتابة منتظمة، أي مطلوب منك تسليم مقال في زمن محدد، لنشره في مكان محدد، حتى لو لم يكن هناك حدث أو فكرة، فالصحيفة لو قلت لهم إنه لا توجد فكرة للكتابة عنها سيكون ذلك يوما أسود عليك، رغم أن بإمكانهم أن يمنعوا مقالك من النشر دون أن يتلون يومهم، أما السؤال الذي دائما ما يحاول بعض القراء معرفته وكأنه سر خطير فهو: هل تتقاضون رواتب أو مكافأة على الكتابة؟

وها أنا لأول مرة أكشف هذا السر للقارئ الكريم، والطريقة لمعرفة هل الكاتب يتقاضى أجرا على الكتابة أم (بلوشي)، تستطيع معرفة ذلك من نوعية كتاب الصحيفة، فإن كانوا مجموعة من التكنوقراط المتقاعدين، والأكاديميين ومشاهير الإعلاميين، فاعلم أن هؤلاء هم أصدقاء رئيس التحرير، وأنهم يكتبون المقال الواحد مقابل ما يزيد على أقساطي الشهرية بقليل، أما إن كان الكتاب ممن هم على شاكلة محدثكم فاعلموا أنهم يكتبون بلا مقابل، ولو حققت الصحيفة أرباحا فسيتم الاستغناء عنا وعودة كتاب (ما في شي مجانا)، وكي نعترف بالفضل لأهله فإن الصحيفة تعطينا سقفا أعلى من أولئك الذين يكتبون بمقابل، والدليل أنها ستجيز هذا المقال رغم ما يسببه لها من بعض الحرج.

Fheedal3deem@