أحمد الهلالي

الأحزاب خلف أسوار الجامعات!

الثلاثاء - 13 نوفمبر 2018

Tue - 13 Nov 2018

حين كنت طالبا في مرحلة البكالوريوس صدمنا أحد أساتذتي ـ يرحمه الله ـ باغتياب زميل له بكلام استكبرناه واستكثرناه منه، فنحن في صرح علمي نراه منزها، ربما كان محرك الخلاف بينهما أيديولوجيا أو خلافا شخصيا أو إداريا، لكن ذلك الموقف لم يبرح ذهني؛ لأنني كنت أراهم قامات مضيئة لا يجدر أن يشوب صفاءها السخام!

اليوم، جل جامعاتنا تغص بالصراعات، وتكتظ بالذوات المتنمرة، والذوات المحبطة، والذوات الخانعة، والذوات المتسلقة، والذوات المعتاشة على الصراعات، والمؤسف أنها ليست صراعات علمية وتنافسا شريفا على إثبات وجهات النظر العلمية، بل صراعات إدارية، أو شخصية، وأجواء قاتمة لا تليق بصروح ننتظر أن تقود المجتمعات، وتبث فيها الوعي والنور، مما ينعكس سلبا على ازدهار الوطن وترقيه.

جامعاتنا التي ننتظر أن تقود المجتمع إلى النور غارقة في ظلمات البيروقراطية ومركزية القرار ودوائره المغلقة، مليئة بالأحزاب الملونة، حزب المدير، وحزب المتسلقين وحزب المؤدلجين، وحزب الغاضبين، وحزب المحبَطين، وأحزاب الوكلاء، والفئة الصامتة، والجميع في حالة ترقب لما يصدر من الآخر، ليكون مائدة الكلام المغذي للحزبية.

حزب المدير هو الحزب الحاكم، وانطباعات أعضائه عن كل أستاذ في الجامعة ـ غالبا ـ هي الحالة السائدة قبل اتخاذ القرارات، (فلان طيب، وفلانة مطيعة، وفلان مشاكس وفلان متشدد وفلان (شايف نفسه) وفلانة مريبة، لا نظر (حقيقيا) إلى الخبرات والمنجزات والعطاءات، بل تكفي تلك الانطباعات للتقريب والإبعاد، وطبيعي أن يحظى حزب المدير بالامتيازات والانتدابات وعضويات اللجان والترشيح للمؤتمرات والتزكيات وتسهيل الكثير من الأمور، والفائض لحزب المتسلقين، ولا تستغرب أبدا أن تكون الجامعات أكثر البيئات استخداما للمثل الشعبي (ما في البلد إلا هذا الولد)، إذ تجد أساتذة يشغل الواحد منهم منصبين أو ثلاثة، وعشرات العضويات في اللجان والمجالس، وقد يمتد إلى جامعات أخرى، مما يشعرك بندرة الكفاءات، فترى الحزبية في أبهى صورها!

عزيزي القارئ، أنا أتحدث عن (الجامعات) الصروح العملاقة التي يجب بل يتعين عليها أن تصنع ثقافة المجتمع وتقوده إلى الفعل الحضاري المتنور، الجامعات التي معظم العاملين فيها يحملون درجة العالمية (الدكتوراه) الدرجة التي يجب أن يكون حاملها مترفعا عن (سفاسف الأمور)، وينظر بمنظار مختلف إلى الحياة، لا يشغل باله إلا العلمية، وصناعة الوعي، والأمل، ومستقبل الوطن، الجامعات التي يجب أن تكرس مبادئ الديموقراطية لا البيروقراطية، والشفافية لا الغموض والضبابية، والاتحاد والتفاعل بين مكوناتها لا التحزب والتشرذم، والتنافس العلمي لا التنافس الإداري البغيض.

ربما لا يعلم من هم خارج الجامعات ماذا يعني المنصب لعضو هيئة التدريس، فهو في حقيقته عبء، يعطله عن منجزاته البحثية والعلمية، فهو باحث يعلم أن مسيرته العلمية (خير وأبقى)، لكن هذا العبء أصبح مطلبا للكثيرين؛ من أجل غايات نفسية لا أكثر، غايات الاقتراب من حزب المدير وصناعة القرار، والحصول على الامتيازات، وغايات معرفة ما يدور خلف الكواليس، فالضباب يحجب الرؤية عن الآخرين، ولا يشاركون في صناعة القرار، بل يسمعونه مع الناس أو عبر وسائل الإعلام، ولا يستطيعون الحديث عنه إلا كما يتحدث العامة.

يجب على وزارة التعليم أن تلتفت إلى الجامعات التفاتة جادة، التفاتة تعيد ترتيب البيئة الجامعية، وتنقلها إلى طموحات رؤية 2030 ومستقبل الوطن، فالجامعات هي أولى البيئات بتطبيق نظام الانتخابات، ومن المؤسف أن تظل خاضعة لمركزية القرار، ورؤية الرجل الواحد، فحتى مجلس الجامعة لا يجرؤ معظم أعضائه على مخالفة رؤية المدير وقراراته إلا في النادر، فهم يدينون له بفضل اختيارهم وتعيينهم، ويدينون له بالتجديد، ولا خيار لهم إلا (السمع والطاعة) ولو كان هذا المجلس منتخبا من أعضاء هيئة التدريس، ومستقلا عن سلطة المدير، ويملك الصلاحيات في نقض القرارات أو إيقافها أو مراجعتها لاختلف الأمر.

كتبت سابقا، وأكتب الآن حاجتنا الماسة إلى تطبيق نظام الانتخابات داخل الجامعات، سواء للمجالس الطلابية، أو لقيادة العمل الأكاديمي في الجامعة، أما نظام الحزبيات هذا، وثنائية (الرضا والسخط) فلا يليقان بنا ولا بجامعاتنا ولا بآمال المجتمع والوطن المعقودة على هذه الجامعات، فالبيئات الموبوءة لن تنجب مواليد أصحاء.

ahmad_helali@