شاكر أبوطالب

حوارات «هناك من يقول..»!

الاحد - 11 نوفمبر 2018

Sun - 11 Nov 2018

تزدهر الخدمة السيئة أو المنتج الرديء في ظل عدم توفر خيارات بديلة، وغياب التنافسية المحفزة للتطوير، وحضور الاحتكار العابث بقانون العرض والطلب. وتزداد الصورة قتامة متى كانت السوق مغلقة ومنغلقة على ذاتها مما يجعل النفاذ إليها أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا!

في الفضاء المرئي العربي؛ المحتكرة صناعته على جنسيات وعائلات محدودة، تنشط أكثر من 900 قناة تلفزيونية مجانية، ونحو 100 قناة مدفوعة المشاهدة، تبث معظمها على مدار الساعة، مما يتطلب تقديم محتوى إعلامي متنوع لملء هذه الساعات الطويلة.

ومن ذلك البرامج الحوارية التي يغيب عن الإعلام التلفزيوني العربي الاستفادة المثلى منها، تعد من أكثر البرامج مشاهدة في مختلف دول العالم، نتيجة تفاعلها مع قضايا البيئة المحيطة، وقدرتها على تسويق الأفكار وتمرير الآراء بأساليب مشوقة ومتنوعة.

اليوم يعاني الفضاء العربي من ندرة في جودة البرامج الحوارية التلفزيونية، نتيجة أسباب عديدة، أبرزها انخفاض سقف حرية الإعلام، وتقليص مساحة التعبير عن الرأي، والتساهل في التخطيط والإعداد لهذه البرامج، وضعف مهنية فرق إعداد البرامج الحوارية، وضيق الأفق الثقافي لمقدمي البرامج الحوارية، فضلا عن تواضع الإضاءة والتصميم الداخلي والاستوديو والتصوير والإخراج، وغيرها من العوامل الهامة في صناعة وإنتاج البرامج الحوارية التلفزيونية.

والملاحظ أن معظم من يعمل في الإعداد أو التقديم في برامج الحوارات التلفزيونية ليسوا صحفيين متخصصين في الصحافة الاستقصائية وكتابة التحقيقات الصحفية المتنوعة، وإجراء الحوارات الصحفية بمختلف أنواعها، وإدارة الندوات الصحفية ذات القضايا المتعددة. ونتيجة لذلك؛ تفتقر معظم البرامج الحوارية التلفزيونية إلى المهنية والتخطيط والعمق والابتكار، وتتميز بالسذاجة والفوضى والاستخفاف والتكرار، فمن الطبيعي أن يتحدث فيها المقدم أكثر من الضيف،

وأن يثبت بعضهم على أسلوبه لسنوات طويلة، وأن يحرص معظمهم على الالتزام الحرفي بالمحتوى الذي أنجزه فريق الإعداد، ليفقد كل فرصة في استخلاص سؤال جيد من إجابات الضيف.

فبعض البرامج الحوارية إذا استضافت كاتبا صحفيا، يكتفي فريق إعدادها بطباعة بعض مقالات الضيف، وفي كل مقالة يتم تحديد عنوانها وتاريخ نشرها، مع اختيار أبرز فقرة أو فكرة في المقالة، ووضع سؤال عليها، غالبا لا يخرج عن «ماذا تقصد هنا؟»، أو «هل لا زلت عند رأيك؟»، أو «هل من الممكن أن توضح أكثر؟»، وغيرها من الأسئلة الساذجة التي لا تقدم جديدا ولا تضيف شيئا للمشاهد.

تُجمع نسخ المقالات المختارة وتعليقات فريق الإعداد عليها في ملف واحد وتسلم إلى مقدم البرنامج الذي ينحصر دوره الحقيقي في مقدمة البرنامج وخاتمته، ويكتفي فيما بينهما بإعادة قراءة المقالات على كاتبها؛ ابتداء بذكر تاريخ نشر المقالة وعنوانها ومكان نشرها.

وفي حال استضافة مؤلف كتب؛ يبحث فريق الإعداد في الانترنت عن مؤلفات الضيف وطباعة بعض ما كتب عنها، وفي أفضل الأحوال يقوم فريق الإعداد بطباعة أو نسخ أو تصوير بعض الصفحات المختارة من مؤلفات الضيف، وغالبا ما تكون غلاف الكتاب وفهرسه ومقدمته، مع وضع بعض الأسئلة البسيطة.

وهناك برامج حوارية ذهبت بعيدا في الاتكال على الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعية، عند الإعداد لأي حلقة، بل بعضها يقوم فقط بزيارة حسابات الضيف في تويتر أو فيس بوك، والبحث عن بعض مشاركاته التي حظيت بتفاعل أو جدل، ثم تتم مناقشة الضيف بإعادة طرح القضايا أو الأفكار التي أشبعت بحثا ونقاشا.

ويتولى بعض مقدمي البرامج الحوارية الإعداد للحلقة بأنفسهم، خاصة مع الضيوف الذين يتولون إدارة وزارات خدمية أو مرافق خدمات عامة، حيث يكتفون فقط بطرح اسم الضيف وموعد الحوار في حساباتهم على تويتر أو فيس بوك، مع تشجيع المتابعين والمهتمين بطرح أسئلتهم التي يودون طرحها على الضيف. وبعضهم أكثر جرأة واعترافا بانحسار دوره وفريق الإعداد، فخصص فقرة ثابتة في برنامجه لمناقشة أسئلة متابعي حسابات البرنامج في وسائل التواصل الاجتماعية.

ورغم التجارب السابقة والبائسة، أنجح أحيانا في إقناع نفسي بضرورة متابعة برنامج حوار تلفزيوني، نظرا لأهمية الضيف أو القضية المطروحة للنقاش، وأردد في داخلي لعل وعسى تكون هذه التجربة مختلفة. ولكن، وفي كل مرة، يترسخ لدي أن إعداد وتقديم معظم البرامج الحوارية التلفزيونية العربية يقوم على جملة واحدة فقط، هي «هناك من يقول..»!!

shakerabutaleb@