عبدالغني القش

الأمطار.. بين أخطار وإهدار!

الجمعة - 09 نوفمبر 2018

Fri - 09 Nov 2018

شهدت بلادنا في الأيام الماضية أمطارا أحالت أجواءها لجمال منقطع النظير، وعاش المجتمع حالة من الابتهاج، وبات الكثيرون يتبادلون صورا ومقاطع لمناظر تسر الناظر وتبهج الخاطر.

غير أن ثمة مشاهد عكرت تلك الأفراح، وأحالت المناظر إلى تشويه عجيب، كالمستنقعات في الأحياء وإغلاق بعض المداخل ووصل الأمر إلى بعض الشوارع، وبدأت المركبات رحلة من الاتساخ والتعطل بعد وصول المياه إلى محركاتها وغرق بعضها بشكل كامل.

وكالمعتاد تهب معدات أمانات المدن والبلديات لسحب المياه وشفطها، في محاولات مضنية، لكونها بطبيعة الحال لا تستطيع احتواء جميع المستنقعات المنتشرة في الأحياء، مما يستدعي التساؤل عن مشاريع سمعنا عنها كثيرا تسمى «مشاريع تصريف مياه الأمطار»!

وتتسع دائرة التساؤل لتشمل تلك المبالغ الفلكية التي أعلنت، فبلدان لا تملك نصف تلك المبالغ ومع ذلك لا تعاني أبدا، فميزانية بلاد مجاورة للعام الحالي تبلغ 11.4 مليار دولار، وتهطل الأمطار فيها بشكل متواصل، بل ربما يمكث مواطنوها أياما عديدة لا يرون الشمس، ومع ذلك يسير الراجل والراكب في شوارعها بلا مستنقعات ولا برك مائية!

بينما تهطل الأمطار لدينا بشكل متقطع ولساعات محدودة فنرى العجب العجاب، أنفاق تمتلئ بالمياه، وشوارع تغرق، وجسور تنهار، ولافتات تسقط، وسيارات تتضرر، وسيول تدخل الأحياء فتحيلها إلى مادة إعلامية محزنة تصلح لأن تكون فصلا في مسلسل تراجيدي.

ويتحمل العبء الأكبر رجال الدفاع المدني، بينما الجهات التي كانت سببا في امتلاء الأنفاق ووجود المستنقعات وانهيار الجسور وغرق الحارات والسيارات لا لوم كبيرا يقع عليها!

وهنا مطالبة بفرض عقوبات على المتهورين الذين يلقون بأنفسهم عنوة في السيول، ثم يلقون باللائمة على الدفاع المدني، فهؤلاء نتمنى سن قوانين صارمة تفرض لكيلا يعاودوا هذا التهور الجنوني، كمحاولة قطع الأودية والسيول وبلا مبالاة وقد انتشرت مقاطع عدة لأولئك.

والعجيب أن المنظر يتكرر والمشهد يعيد نفسه في كل مرة تهطل فيها الأمطار، فبدلا من معالجة الوضع بشكل يريح المواطن ويزيل عن كاهل الأمانات الثقل تتم المعالجة الوقتية، وتستخدم الحلول المؤقتة، ثم تبقى تلك المواقع كما هي الهابط منها والمرتفع وتستمر الأضرار!

وكم يحز في النفس ما يتكرر من مشاهد يندى لها الجبين، فالدراسة تتعطل خوفا من الأمطار، ومدن تعيش تحت وطأة الخوف الشديد، ينتج عنها شوارع شبه خالية، وأخيرا أعمد إنارة تتمايل بشكل عجيب!

ولنأت لمسألة هامة جدا وهي الإفادة من مياه الأمطار، فهدرها يعد تصرفا لا يمت للحكمة بصلة، والجميع يشاهد كيف استفادت الدول الأخرى من مياه الأمطار وجعلتها ثروة وطنية، بينما نرى مياه أمطارنا تضيع سدى وتجري هدرا بلا محاولة للإفادة منها كمصدر مواز لتحلية المياه، والعجب أن يكون التفكير في سحبها فقط أو تركها تجري في الأودية ومجاري السيول لتتبخر مع حرارة الشمس!

فهل يلتفت القائمون على وزارة البيئة والمياه لمثل هذا؟

إن الاستبشار بالأمطار لا ينبغي أن يتحول إلى تخوف من الأضرار، فيظل المجتمع يحمل هاجسها ويسأل الله ينجيه من أهوالها.

وأتفق تماما مع عبارة «الاحتجاج بسوء الأحوال الجوية ليس صحيحا، بل الواقع يقول بسبب سوء البنية التحتية».

ويبقى شكر الله على هذه النعمة أمرا مطلوبا، وفي المقابل يتمنى الجميع إزالة كل ما من شأنه تعكير صفو هذه الأجواء، والمطالبة بمحاسبة المقصر، بل وربما المتسبب؛ كمن منح تصاريح البناء لمخططات تقع في بطون الأودية، وغيرهم ممن لهم أيد في ذلك المشهد، والأماني تراوح مكانها في أن نجد نتاجا لمشاريع تصريف الأمطار والسيول، فهل تتحقق؟!

[email protected]