عبدالله المزهر

تعالوا نستفد نحن أيضا!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 21 أكتوبر 2018

Sun - 21 Oct 2018

رحم الله طيب القلب جمال خاشقجي وغفر له وتجاوز عنه، وقد كنت إلى آخر دقيقة قبل إعلان مقتله بشكل رسمي أرجو أن يكون سليما في مكان ما، أستبعد تماما فرضية أن يكون قد قتل داخل قنصلية بلاده، وقلت إن هذه القصة اغتيال للمنطق.

كنت أستبعد وجود من يفكر بمثل هذا الغباء القاتل في موقع مسؤولية، كنت مؤمنا أن قليلا من التدبر سيجعل الأمر واضحا أمام أي أحد مهما كانت طريقة تفكيره، بأن صاحب الرأي حتى وإن كان رأيه مسيئا فإنه لا يسيء للوطن ولا للحكومة أكثر من الإساءة وتشويه السمعة التي

قد تلحق بهما في حال إخفاء صاحب الرأي، أو حتى محاولة إسكاته، أما القتل وفي القنصلية فإنها إساءة وتشويه لا يحلم بهما كل الأعداء والكارهين لو اجتمعوا وجندوا كل شركات العلاقات العامة. إساءة مجانية أتت إليهم على طبق من ذهب.

كنت واهما وقللت كثيرا من شأن الغباء، أخطر أسلحة الإنسان على الإطلاق. وكان هذا غباء مني.

لا شك أن كارهي هذا الوطن العظيم سيجدونها فرصة ذهبية للتشفي والإساءة، وسيرون في هذه الحادثة الغبية المؤلمة بابا مفتوحا للقدح في كل ما هو سعودي.

هذا ما يفعله الأعداء في كل زمان ومكان، عدوك لا يريد لك الخير وسيكون غباء جديدا لو انتظرت منه غير ذلك، المهم ليس ما يفعله هو ولا كيف يستفيد من هذه القصة. المهم حقيقة هو كيف نستفيد نحن من هذه القصة، وكيف نتجاوزها وكيف تكون هذه القصة هي آخر قصة من نوعها؟

الباب الأول في كتاب الدروس المستفادة من هذه القصة هو الاعتراف بوقوعها ومن ثم الاعتراف بأنها خطأ ما كان يجب أن يحدث ولا يجب أن يحدث مستقبلا، ومحاسبة مرتكبها «كائنا من كان».

الأبواب الأخرى يجب أن يكتب فيها أن الإعلام الحر سلاح قوي ومفيد، وفي الفترة الماضية كان هناك حالة من «تزييف الوعي»، والحقيقة أني عاجز عن فهم الطريقة التي يفكر بها مسؤول لا يريد أن يعرف بماذا يفكر الناس ولا كيف يفكرون ولا ماذا يريدون.

ليس إعلاما ذلك الذي يجمع آراء جاهزة يقولها الجميع حتى دون تعديل في الصياغة في كثير من الأحيان، يقولها المثقفون والفنانون واللاعبون والصحفيون والإعلاميون. وكأنهم جوقة في فرقة موسيقية.

ثم يزيد الأمر سوءا إن كان مصاحبا لحالة التخوين والتخويف التي اجتاحت الإعلام الجديد والقديم، حتى يصبح من الصعب الوثوق بأن ما يكتب ويقال يعبر فعلا عن رأي قائله. حتى لو كان رأيا في مباراة كرة قدم.

ربما أكون مخطئا ولكني أعتقد أن المواطن الخائف المنافق والمرتبك لن يكون جزءا من حضارة حقيقية، لكن المواطن الحر الذي يقول الرأي الذي يؤمن به هو شريك حقيقي للحكومة في النظر إلى المستقبل والسعي إليه بثقة.

لأنه إن كان رأيه صائبا فقد أفاد، وإن كان خاطئا فقد أعطى المجال لصاحب القرار لفهم طريقة تفكيره والرد عليه.

وعلى أي حال..

ربما سأعود للحديث عما يمكن أن يستفاد من هذه القصة المؤلمة، ولكني لا زلت محتفظا بتفاؤلي، وأن هذا الوطن العظيم سيبقى عظيما وسيتجاوز كل أزماته كما يفعل في كل مرة. وسيبقى له أعداء وكارهون يتحينون الفرص للإساءة له، ولعل أفضل ما يمكن أن نفعله هو ألا نعطيهم فرصا سهلة لفعل ذلك.

agrni@