خالد العماري

المعلم.. كيف يعلم؟!

الخميس - 18 أكتوبر 2018

Thu - 18 Oct 2018

هناك أكثر من 600 مصطلح تعليمي في تراثنا العربي والإسلامي، بحسب المنظمة اﻹسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الإيسسكو»، فالتوعية، والتعليم، والتربية، والتنشئة، والتزكية، والتدريب، والتهذيب، والتأهيل، وغيرها، مصطلحات كبيرة وكثيرة تسبح في فضاءاتنا الاجتماعية بكل ما فيها من حمولة مفهومية ومعنوية وقيمية.

إذا كان هذا هو العدد التقديري للمصطلحات التعليمية، فإن المفاهيم والآراء والأفكار الكلية المرتبطة بهذه المصطلحات لا يمكن حصرها، وإن المفردات الجزئية والموضوعات الفرعية والمعلومات والمعارف لا يمكن التنبؤ بعددها!

هذا من الناحية الكمية، أما من الناحية الكيفية، فلو قرأنا بشكل أفقي تاريخ العلم، لوجدنا أن الله علم آدم وألهمه، وأمره ونهاه، ومنحه الحرية والاختيار، وكان أول تعليم الله لآدم هو تعليمه أسماء كل شيء، وكانت حياة آدم في الجنة، وتجربته التي عصى فيها ربه، وتوبته وإنابته، وإهباط الله تعالى له ولزوجه وعدوهما إلى الأرض، ثم بدأت تجربته على الأرض، ثم كانت علوم الأنبياء وتجاربهم ثم العلماء والحكماء في تقنين العلوم، والمعلمون في تراكمية التعليم وتكامليته، ثم تطورت التجربة والمعرفة البشرية على الأرض، وأصبح الإنسان بعد ذلك يعلم الإنسان بما علمه الله، وبما ورثه من تجربة من قبله، وبما تعلمه واكتشفه من تجربته الشخصية وتفاعله مع الحياة والمخلوقات من حوله، حتى يوم الناس هذا، ولا حد للعلم، بل هو في زيادة وكثرة وتفرع، وما من إنسان إلا وهو معلم ومتعلم في الوقت ذاته، لكن العبرة بما هو العلم الذي تعلمه؟ وكيف؟ وماذا بعد أن تعلمه؟ وعليه فالتعليم: عملية حيوية واعية لاكتساب وتطوير ونقل العلوم والمعارف والمعاني والآداب والأخلاق بين الناس في كل الظروف والأحوال والعوالم الممكنة.

والذي أقصده هو لفت الانتباه إلى أن العلم أشبه ما يكون بالبحر أو المحيط الذي لا يبلغ غوره أحد، ولا يمكن حصر ما فيه من العوالم أو الإحاطة بكمه وكيفه، ولذا فلو وجدت رجلا في خضم هذا البحر على زورق أو سفينة، وهو يغرف بدلو معه الماء من جهة ثم يضعه في جهة أخرى، لقلت هذا الرجل مجنون! وكذلك المعلم الذي يغرف المعلومات من أوراق ثم يضعها في أوراق أخرى، أو ينقلها من ذهن لذهن آخر! هذا الفعل لا يسمى تعليما، ومن صنع ذلك لا يمكن أن نخلع عليه بردة المعلم، وإن اعتبرناه ناقلا للعلم أو حافظا له، وقد كان هذا الصنف موجودا فيمن سبقنا، لكن مع وفرة المعلومات في هذا العصر، وتعدد المصادر، وزيادة عدد المنصات التعليمية، وأكاديميات التعلم عن بعد، وقدرة الجميع على المساهمة في الإثراء المعرفي، مع هذا كله، يصعب تصور وجود نقلة للعلم بالمفهوم التقليدي القديم، ولو وجد هذا الشخص في البيئة التعليمية لما حظي باهتمام الطلبة، ولا عناية القيادات التعليمية.

وإن من فساد الزمان أن يجتمع على الطالب معلم ضعيف في تخصصه، فاسد في مزاجه، لا هم له إلا إلقاء المعلومة، والتلويح بالأنظمة، في نسق روتيني قاتل.

نقل العلم إن حصل معه إكساب للمتعلم قدرة على ممايزة الجهل فهو تعليم، وإن كان معه تمرين للمتعلم وتعويد له على أمر ما فهو تدريب، وإن ظهر فيه تعاقب وتناقل لأثر العلم النافع على المتعلم فهو تدريس، وإن خالطته أخلاق قدوة فهو تربية، وإن استصحب معه دلالة على الله فهو تزكية، وإن قصد به إصلاح المتعلم بعد ملاحظة الخلل فهو تهذيب.

سؤال المعلم كيف يعلم؟ لا بد أن نسأله كل معلم مهنته التعليم أصالة، ونسأله بالتبع لمعلم الناس الخير أيا كانت مهنته، فالأب والأم والجار والطبيب والإمام والإعلامي كلهم معلمون في فضاءاتهم وتخصصاتهم، ولا بد أن نسألهم كيف تعلمون الأجيال؟ إن أردنا تعليم الأجيال.

ammarikh@