عبدالله المزهر

أنتم أخطر مما تتخيلون أيها الأغبياء!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 17 أكتوبر 2018

Wed - 17 Oct 2018

الأمراض والأوبئة والحروب والزلال والكوارث ما ظهر منها وما بطن ليست هي الخطر الأكبر الذي يهدد الوجود البشري، أنا مقتنع بأن جل هذه المصائب هي مجرد نتائج للخطر الحقيقي، وربما الوحيد الذي يهدد وجود الجنس البشري وكافة الأجناس الأخرى، حيها وجمادها.

وبالطبع فإن قناعاتي ـ كما تعلمون ـ تمثل الحقيقة دائما، وهذه بالمناسبة قناعة أخرى. وقد آمنت بأني على صواب دائما وأن كل ما أفكر فيه هو باب الحقيقة الذي يجب أن يدخله الناس زرافات ووحدانا. أما الدافع وراء هذا الإيمان فهو أن هذا ما يفعله الناس جميعا ولا أريد أن أكون استثناء في هذا الكوكب الآيل للسقوط.

أما الأسباب التي أعتقد أنها سبب كل خراب وباب لكل الشرور، فهي لا تخرج عن أمرين لا ثالث لهما، الأنانية والغباء. فتش عن كل كارثة وستجد آثار أحد هذين السببين أو كليهما في المكان.

والحقيقة أن الأنانية شكل من أشكال الغباء، ولكن العكس ليس صحيحا، ولذلك نستطيع القول ـ دون تحفظ ـ بأن الغباء بكافة أشكاله وصوره ومشتقاته هو أخطر ما يواجه البشرية، وهو السبب في كل كوارثها وحروبها وصراعاتها السابقة والحالية، وقطعا سيكون السبب الأول للكوارث المستقبلية.

الغطرسة غباء والكبر غباء والاستبداد كذلك، وهذه أشياء تدل على غباء مركب لأنه يمكن اكتشاف ذلك بقليل من التروي والتفكير والمنطق، إضافة إلى أن التاريخ يخبرنا أنها كذلك، وأن كل مآلاتها كارثية. لكنها تحدث وتتكرر والأخطاء لا تتكرر إلا في حضور الغباء، الراعي الرسمي لتكرار الأخطاء.

في عصرنا الجميل الإعلام هو أحد أذرع الغباء البشري، مع أنه يفترض العكس، وحتى في قياس قوة وتأثير وسائل الإعلام فإن الإنسان يلجأ إلى الغباء لأنه أقوى أسلحته وأدواته على الإطلاق.

حسب المقاييس البشرية المشار إليها أعلاه فإن قناة الجزيرة ـ على سبيل المثال ـ هي أكثر القنوات تأثيرا وتفاعلا من خلال شاشتها أو حساباتها على وسائل التواصل، والسبب ببساطة أنها أكثر قناة يدخل الناس إلى حسابتها ليخبروها أنها تافهة أو وضيعة أو كاذبة بالطبع. وتنتشر مقاطع كثيرة لأخبارها بهدف السخرية منها، وهذه اللعبة تعجب الجزيرة وأخواتها دون شك، لأن المهم في النهاية هي أرقام عدد المتفاعلين مع أخبارها وليس ماهية ذلك التفاعل ولا فحواه.

وهذه الأداة البشرية تستخدم أيضا في تحديد المشاهير والنجوم وقادة الرأي فيما بعد؛ شخص أو وسيلة إعلامية لديها الكثير من الأرقام. أما معرفة ماذا تفعل هذه الأرقام فليس مفيدا ولا ضروريا ولا يهم أحدا.

أتفق تماما مع فكرة أن ما يحدث ليس سوى دليل ملموس على سهولة مهمة الدجال، وإقناع عملي للذين يعتقدون أن مهمته مستحيلة وغير منطقية.

وعلى أي حال..

أعلى مراتب الغباء البشري تكمن في التعامل مع الحياة وكأنها منتهى كل شيء، وأنه لا يوجد بعد الحياة حياة، سواء كان تعاملا عن اعتقاد أو مجرد تجاهل لتلك الحقيقة والعمل وكأنها غير موجودة، وفي يوم ما سيتخلص هذا العالم من فكرة الموت بالتقسيط وستنقرض البشرية بسبب جرعة مفرطة من الأنانية والغباء ثم يتقابلون مجددا في مكان منزوع الغباء.

agrni@