عبدالله المزهر

العاصفة التي تسبق الهدوء!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 15 أكتوبر 2018

Mon - 15 Oct 2018

لماذا لا يتفق العالم على يوم يسمونه «اليوم العالمي للصمت»، أو يوم اللا شيء الذي يلتزم فيه الثمانية مليارات إنسان على أن يصمتوا ليوم واحد فقط، ألا يفعلوا أي شيء. أن يحترموا رغبة الأرض في قليل من الهدوء والسكينة.

أعتقد أن هذا أبسط جميل يمكن أن تقدمه البشرية لهذا الكوكب البائس الذي قدر له أن يتحمل وحده دون بقية الكواكب عبء أن يكون مقرهم ومكانهم ومحتضنهم الذي يخلقون منه ويعودون إلى باطنه بعد انتهاء حياتهم.

معلوم أن الإنسان لن يكف أذاه بالمطلق، ولكنها هدنة فقط، ويوم في العام لن يشكل فارقا في سلوك الإنسان، ولكنه قد يشكل فارقا في حياة بقية المخلوقات الحية شركائنا في الماء والهواء والتراب.

أظن أن الإنسان كان على الطريق الصحيح حين اخترع الكتابة، كان يريد أن يصرخ دون أن يسمعه أحد، ودون أن يزعج أو يؤذي الكائنات التي لا تقرأ. كانت الكتابة اختراعا عظيما ومسالما وصديقا للحياة.

لكن ـ ولأنه الإنسان ـ عاد من جديد للإزعاج واخترع طرقا أخرى لإيصال صوته المزعج، فلم تنج منه دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه.

وأظن ـ مجددا ـ أن كلمة «الهدوء» ستصبح ـ إن لم تكن قد أصبحت بالفعل ـ من أرشيف المعاجم، لا وجود لشيء حقيقي يحمل الدلالة التي تدل عليها هذه الكلمة.

حين تغمض عينيك وتسد أذنيك طالبا النجاة والاسترخاء فإنك لن تحصل على شيء من ذلك، لأنك لن تستطيع أن تخرج من رأسك آلاف البشر الذين يقرؤون نشرات الأخبار ويغنون ويصرخون ويبكون ويتألمون ويضحكون ويتناقشون بأصوات عالية وحادة طمعا في إسكات بعضهم البعض. سيطاردونك حتى في أحلامك، فقد تم استيطان كثير من مساحات عقلك والسيطرة عليها بالكامل، وليس أمامك إلا القبول بالأمر الواقع. وقد يساعدك على القبول بهذا الواقع أنك أنت أيضا موجود في رأس أحدهم تصرخ، وتبدد أوهامه في النجاة.

وعلى أي حال..

من المؤكد أن سكان هذا الكوكب لن يتفقوا على شيء من هذا القبيل، كلما في الأمر أني أردت أن أمارس دوري في الصراخ وأشتكي من الإزعاج. فالهدوء شيء لا علاقة له بالحياة، سوى أنه الشيء الذي يأتي بعد أن تنتهي، فالحياة برمتها ليست سوى العاصفة التي تبسق الهدوء.

agrni@